في 22 شباط 2022 اندلعت الحرب الروسية الاوكرانية، إثر حشد عسكري روسي واسع في شمالي أوكرانيا وشرقها وجنوبها، بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إطلاق ما سماها “عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا”. بعد قرابة السنتين ما الذي تغيّر؟
المحلل السياسي خالد العزي يقول لـ”المركزية”: لا تزال المعارك مستعرة بين مد وجزر واوكرانيا مستمرة في الدفاع عن أرضها. كانت روسيا تحاول تحقيق انتصارات في مناطق دونيتسك ومساواة خط الجبهة، لذلك شنت في الفترة الأخيرة هجمات كبيرة على محاور أفديفكا ومارينكا وكوبنسك، لكن على ما يبدو يقابلها دفاع اوكراني شرس لم يسمح لروسيا بهذا التمدد، وبالتالي ارتفعت أعداد القتلى وتكبد الطرفان خسائر كبيرة، وبالأخص من الجهة الروسية.
تتبنى روسيا بعض الآراء الاوروبية التي تقول بأن الغرب ترك اوكرانيا وبالتالي لن تستطيع الصمود، وبات من السهل على موسكو فرض معادلاتها من جديد على كييف. وهذا كان محور حديث بوتين في الخطاب الذي ألقاه في 14 تشرين الثاني الماضي لمدة أربع ساعات أمام الصحافة العالمية، وتوقف عند العديد من النقاط التي تتضمن تزويراً للتاريخ، وأولاً أن الحرب في اوكرانيا أهلية داخلية، وكأنه يعتبر روسيا واوكرانيا دولة واحدة، في حين أنه في بداية الحرب اعتبرها عملية خاصة ضد المتطرفين الاوكران. وثانياً قال أيضاً بأن الغرب ساهم في غدر روسيا منذ الثورة التي حدثت عام 2014 مع الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، وهذا غير صحيح وتشويه الحقيقة، لأن حليفه يانوكوفيتش هو من انقلب عليه وذهب للتوقيع في فيلنوس على المعاهدة التجارية والتي تم الإعداد لها لأكثر من ثلاث سنوات وكانت روسيا ترى هذه الامور، وكأن ياكونوفيتش أعلم روسيا بذلك وكانت اوكرانيا تأمل من هذه الاتفاقية أن تسمح لهم بالذهاب الى اوروبا مدة 90 يوماً يستطيعون خلالها العمل من دون فيزا أو إقامات للعمل وتغيير حياتهم الاقتصادية التي بدأت تسوء بسبب العقوبات والحصار الذي فُرِض على اوكرانيا ومنع تسهيل التجارة ووصول المنتوجات الاوكرانية الى الأسواق الروسية.هذا الكلام عارٍ عن الصحة، لأن بوتين يعلم أنه هو من بدأ بتضييق الحصار على اوكرانيا وفرض شروط، الهدف منها السيطرة على المواقع الاقتصادية الاوكرانية، فرفض الاوكران ذلك. ولذلك بعد عدم الاتفاقية، نزل الشعب الاوكراني وثار ضد الحكومة وقلب النظام الفاسد الذي كان يُعتبر موالياً لروسيا التي لم تجر اي استثمارات لتعديل حياة الشعب الاوكراني، وبالتالي خسرت البلاد نتيجة طموحات الاوليغارشية وضيق مفاهيم القادة السياسيين بما فيهم بوتين وبأن اوكرانيا مكاناً للسيطرة وليس لبناء الثقة والاقتصاد. لذلك الحرب ليست أهلية لأن أطماع بوتين كانت تقودها في محاولة للسيطرة عليها وبالتالي إبعادها عن تحقيق طموحاتها. وهذه الحرب شنها مرتين، الاولى في العام 2014 عندما احتل الدونباس، ليس لمساعدة أهلها إنما في محاولة للسيطرة على اوكرانيا كلها وتغيير النظام فيها من أجل إبعادها عن اوروبا وتهديد اوروبا نفسها، والثانية في العام 2022″.
ويتابع العزي: “وفي الخطاب الذي قدم فيه نفسه كمرشح لولاية خامسة في روسيا الموحدة في 17 كانون الاول الجاري، قال بوتين أيضاً أنه سيعمل على إعادة بناء دولة روسيا القوية ذات السيادة التي يحترمها الجميع. أمام هاتين النقطتين وجّه رسالة واضحة لاوروبا بأنه لن يخوض الحرب ضد اوروبا والناتو. وفي الوقت نفسه وقف وأشاد بوزير الخارجية الأسبق هنري كسنجر وكأنها رسالة الى الولايات المتحدة يؤكد فيها أن مستعد للحوار والاتفاق على اوكرانيا.
من خلال الجلسة السنوية مع الصحافيين ومؤتمر تقديم ترشيحه أمام الحزب الحاكم، نرى أن بوتين بات أمام أمرين خطيرين: الأول أنه لن يستطيع السيطرة على اوكرانيا في ظل هذه الحرب الضروس التي خاضها وكبدته خسائر بشرية وعقوبات اقتصادية هائلة، والثاني أنه بات يعلم ان الجلسة الأخيرة التي حصلت في بروكسل في 14 و15 الجاري للاتحاد الاوروبي طًرِح على مصراعيه شعار ان كل دولة تجد نفسها حرة وديمقراطية ويمكنها تنفيذ الشروط المطلوبة الانتساب الى الاتحاد، وصوّت المجتمعون بالإجماع لصالح اوكرانيا بأنها باتت مؤهلة وقد يصار في القمة القادمة تحديد الموعد الزمني لها ولملدوفيا لدخول الاتحاد الاوروبي. هذا الأمر بات يشكّل مظلة لأوكرانيا التي أصبحت على عتبة الاتحاد الاوروبي. من هنا، يحاول بوتين من خلال هذا الطرح، القول للغرب أنه لا يريد القتال وفي الوقت نفسه يريد، أمام الفترة الانتخابية القادمة، أن يعد الشعب الروسي الذي بات يعاني من عزلة وتضييق وانتشار الناتو من الغرب والشرق والشمال وصولاً إلى اوكرانيا، أنه لا يريد الخوض في معارك ضد الناتو لأن من شأن ذلك أن يؤدي الى حرب تدميرية ونووية”.
ويؤكد العزي أن “بوتين يطرح بطريقة أو بأخرى باب الحوار للمستقبل على اوكرانيا مع الغرب لأن كل طموحاته التي كان ينوي خوضها وتهديد اوروبا فشلت. سنتان من الحرب أثبتت اوكرانيا قدرتها على الصمود وعرّت دور روسيا التي كانت تعتبر أنها دولة قطبية وثانية. وبالتالي بات يسعى من فتح الحوار مع الولايات المتحدة واوروبا، الذهاب الى الانتخابات القادمة والقول بأنه قاتل وأنجز وحاول إبعاد الناتو عن مناطق الدونباس وكأنه أمام هذه الحالة، يطرح معادلة جديدة ويطلب من الغرب أن يبقى الوضع على ما هو عليه في مناطق الجنوب والشرق التي احتلتها روسيا كمكافأة لها، شرط اعتراف اوكرانيا بذلك وتحديداً في جزيرة القرم، مقابل الإقرار بأنه لن يستطيع إبعاد اوكرانيا عن البيت الاوروبي وبالتالي يخرج بوتين وكأنه هو مَن ربح الحرب وأنهاها والغرب وافق على شروطه.
وفي متابعة للأخبار المنشورة في المواقع الروسية الموالية للكرملين والحكومة، يُلاحظ ان الدولة تحاول اجتزاء مقاطع من بعض التحليلات الصحافية لإبرازها أمام الرأي العام الروسي بأن الغرب سيتخلى عن اوكرانيا ولن يمولّها، وبالتالي لن تستطيع الصمود سوى شهرين، وهذا بفضل قدرات بوتين الذي يخوض العرب ضد العالم كله. وبالتالي الغرب أفلس وروسيا ما تزال قدراتها العسكرية والمالية قوية جداً، ولهذا السبب فتح باب التفاوض مع الغرب واوروبا والولايات المتحدة وبشروط روسية”.
ويضيف العزي: “لكن يبدو ان العكس صحيح، لأن في المؤتمر السنوي الذي يعقده الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي نجد أن موقف اوكرانيا لا يزال ثابتاً وهي مستمرة في الحرب، ولا يستطيع أحد ان يفرض عليها ضغوطات، ولذلك تتجه إلى تجميع نحو نصف مليون متطوع لمواجهة روسيا عملاً بنصيحة رئيس الجيوش السابقة في اوروبا بأن عليها تجميع روافد جديدة من أجل الصمود لأن مشكلتها باتت في الخسائر وافتقادها للمتطوعين. من هنا تقول بان الغرب ما زال يقف معها لأن المعركة ليست موجهة ضد اوكرانيا بل الغرب الذي بدوره لن يفتح باب البازار والبيع والشراء على حساب زيلينسكي لأنه لن يثق ببوتين الذي يحاول تسويق أفكار هدفها تجميد الجبهة وايهامهم بأن المعركة انتهت للانقضاض على الغرب لاحقاً. لذلك أخذ الغرب على عاتقه تمويل اوكرانيا مالياً وعسكرياً”.
وفي مقارنة بين خطابي الرئيسين، يعتبر العزي “انهما يشددان على استمرارية الحرب في المواجهة، لكن الرئيس الاوكراني كان واضحا وصريحا ووضع نقطة نهائية في عملية الانتخابات التي كانت ستحدث في عام 2024 وقال ان كل الانتخابات مؤجلة لأن اوكرانيا في حالة طوارئ وحرب وهذا لا يسمح لا ماليا ولا أمنيا بإجرائها بل ما يُسمَح بها هو إعادة فتح باب التعبئة الاوكرانية وضم العديد من المتطوعين الى سلاح الجيش الاوكراني، بينما بوتين كان يقدم نوعا من الالتفاف على مشروعه الذي غلفه بأنه اولوية ايقاف الحرب من أجل التمهيد لانتخابات رئاسية وإعادة التموضع العسكري والتجهيز لتعبئة جديدة من أجل دفعها نحو المعركة”، مشيراً إلى أن “ازمة اوكرانيا أصبحت بوجود الرئيسين الروسي والاوكراني أزمة شخصية ولا يمكن الابتعاد عن اي توجه لأي دول دون الموافقة على تغيير الانظمة الموجودة ووضع خطة فعلية لإنجاح أي تغيير على الأرض، خاصة وان بوتين في دخوله الى اوكرانيا كان يردد المقولة الروسية التاريخية بأن “من يحتل اوكرانيا يحتل قلب اوروبا”، ومن هنا يستطيع الالتفاف على اوروبا والتفاوض مع واشنطن. ومنذ يومين قال بوتين في تصريح ان “الولايات المتحدة أغرقتنا في حرب اوكرانيا” وهذا صحيح لأن الإدارة السابقة أعطت إشارات بان الاتحاد الاوروبي في مرحلة الموت السريري ومضطر ان يدافع عن نفسه، فتلقف بوتين الخبر وحاول أن يعزل الاتحاد الاوروبي وتخطيه عبر تهديده باحتلال اوكرانيا والتوجه للتفاوض مع الولايات المتحدة بطريقة ندية. لكن تبيّن ان روسيا دولة مارقة، لكن العنجهية جعلتها تغرق في الأوهام والفساد وظنت أنها تستطيع مواجهة الولايات المتحدة وان تفاوضها نديا وتعزلها عن اوروبا وظن بوتين أن باستطاعته تهديد العالم بالسلة الغذائية وإمدادات النفط، وسيرضخ له الجميع، لكن مخططه فشل،
ويختم العزي: “الغرب لا يثق ببوتين، ولذلك فإن المعادلة التي تصح اليوم هي: لا لهزيمة اوكرانيا كما لا لهزيمة روسيا، لأن الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والغرب غير جاهزين لعملية استيعاب الهزيمة الاوكرانية التي ستؤثر على الغرب وستؤدي الى طرق زيلينسكي أبواب كل العواصم وفي الوقت نفسه هزيمة روسيا يمكن ربطها بتاريخ الاتحاد السوفياتي عندما انهار وكيف انعكس سلبياً على اوروبا. لكن الأيام ستثبت ان اوكرانيا ستنضم قريباً الى الاتحاد الاوروبي ما سيعطيها مظلة شرعية وتصبح في حماية الناتو وهذا وحده كفيل بكبح جموح روسيا المتطرف”.