عام بعد آخر، ومع تفاقم تداعيات التطرف المناخي، تنجلي حقائق الانهيار الكبير في البنية التحتية في لبنان، التي لم تعد قادرة على استيعاب أي نوع من العواصف القوية والأمطار الغزيرة. وبينما تنشغل كبرى الدول بقضايا المناخ وكيفية التعامل مع تحولات الطقس وحالة التطرف التي تصيبه صيفًا وشتاءً، ما زالت الدولة اللبنانية عاجزة عن التعامل مع الحد الأدنى من هذه التحولات.
وعلماً أن العواصف التي يشهدها لبنان، تبقى بالإطار الطبيعي نسبيًا، قياسًا لتاريخ لبنان في فصل الشتاء، لكنه في كل عام يثبت عجزًا عن التعامل مع الطقس وتحولاته.
ويوم أمس، بلغ لبنان ذروة الطوفان في العاصفة التي بدأت الخميس وتستمر حتى الغد الاثنين. حيث كانت المشاهد التي تداولها المواطنون على منصات التواصل الاجتماعي صادمة، وتظهر أن التنقل على الطرقات والأوتسترادات خلال العواصف في لبنان، يشكل خطرًا وتهديدًا لسلامة المواطنين وكذلك على ممتلكاتهم، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية والزراعية الهائلة نتيجة انجراف التربة، إضافة إلى ضرب البنى التحتية من أسلاك كهرباء واتصالات في بعض المناطق.
عكار وفيضان النهر
وتعد عكار من أكثر المحافظات تضرراً، ويتحدث أبناؤها عن نكبة العاصفة. وفيما طافت خيم النازحين السوريين والأراضي الزراعية، غمرت مياه الأمطار أيضا سهول القموعة، في أعالي عكار، وطالت أيضا خراج بعض المناطق السهلية، لا سيما في الضفة اللبنانية لمجرى النهر الكبير، ما أعاق عمل وحدات الجيش والصليب الأحمر في مساعدة السكان واللاجئين السوريين بالمنطقة.
وتسبب فيضان النهر الذي يفصل لبنان عن الجانب السوري، بغرق بعض المنازل والأراضي الزراعية، فيما ساعد الدفاع المدني المواطنين، وأجلى بعض الأطفال والمرضى. وعلى الإثر، تفقد اللواء محمد الخير المنطقة. ورغم الإمكانيات الضعيفة، وعد بتقديم المساعدات الإغاثية للأهالي للحد من تداعيات العاصفة.
وصباحًا، قام الدفاع المدني بإنقاذ المواطنين في بلدات الكنيسة، وحكر الضاهر، والسماقية، في عكار، جراء تبرّك المياه وارتفاع منسوب النهر.
وأمس السبت أيضاً، تسببت الأمطار الغزيرة بانهيار صخري في الضنية، على الطريق المؤدية من بلدة بقرصونا إلى جرد مربين ونبع السكّر، ما أدى إلى إغلاق جزئي للطريق أمام حركة عبور السيارات عليها لبعض الوقت. وفي بلدة إيزال تسببت الأمطار، بانهيار صخري جزئي على الطريق العام.
مناطق أخرى
يوم أمس السبت، قال الدفاع المدني بأن العاصفة تسببت بخسائر فادحة، بعدما أنقذ تسعة مواطنين احتجزتهم السيول داخل المباني في محلة الكرنتينا.
كما أعلن فوج اطفاء بيروت أنّه “عمل على إنقاذ المواطنين العالقين جراء فيضان نهر بيروت بواسطة زوارق مطاطية وحبال الانقاذ، حيث تمكن من إنقاذ 17 شخصاً كانت المياه قد غمرت سياراتهم”.
وتسببت الأمطار الغزيرة أمس، بفيضان نهر بيروت، حيث تجمعت مياه الأمطار بالكرنتينا، كما فاضت معظم الاوتسترادات الدولية بالمياه. كما تجمعت المياه على اوتوستراد جونية بشكل كبير وطوفاني، وأعاقت حركة السيارات لساعات. كذلك في منطقة الشوف، تسببت السيول بانهيارات ترابية وصخرية لعدد من طرق المنطقة، التي قطع بعضها جزئياً.
مخاوف الشتاء
يرى بعض خبراء المناخ أن لبنان يشهد هطولاً غير منتظم بالأمطار، وبدل أن تهطل الأمطار بصورة موسمية وطبيعية ومتناسقة، أصبحت شدة هطول الأمطار تتزايد، ما يهدد بالسيول التي تجرف التربة وتتسبب بتآكلها، وبما يهدد بدمار البنى التحتية والسكنية ونوعية التربة والزراعة والمياه الجوفية.
وفي هذا الوقت، بات التنبؤ بموعد العواصف في لبنان، يسبب هلعًا كبيرًا للسكان، حيث يتحدث كثيرون منهم بأن لبنان لم يعتد هذا النوع من الأمطار، بينما يقول آخرون: “طول عمرها بتشتي هيك بلبنان”.
لكن، يبدو أن اهتراء البنى التحتية بلغ ذروة غير مسبوقة، كما أن قضايا المناخ وتغييرات الطقس ليست على سلم أولويات السلطة والحكومة المعطلة. ومنذ سنوات لم تضع خططاً للحد من آثار هذا التغير وتداعياته وكلفته، على شتى المستويات البيئة والزراعية والاقتصادية والسكانية.