غادة حلاوي-نداء الوطن
قبل ظهر أمس تبلغت وسائل الاعلام من عين التينة الاستعداد لمواكبة حضور شخصية سياسية، تبين لاحقاً انها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي حضر عند الأولى ظهراً في زيارة مطولة لم يرشح عن تفاصيلها الكثير. ربما هو السباق بين المبادرات السياسية وتدهور الوضع الاقتصادي الذي بلغ مبلغاً خطيراً، وقد ترافق مع انحدار محلي على كل المستويات لولا القلة القليلة التي تسعى الى ترقيع الوضع قدر المستطاع.
يحترف رئيس المجلس النيابي نبيه بري خطف الأضواء وبريق الإعجاب على الساحة المحلية، ويحوز على اشادة واطراء مميزين من قبل المهتمين الدوليين والعرب بالشأن اللبناني، لحسن درايته في مقاربة الامور وبراعته في التصدي للأزمات المتمادية التي تعصف بالبلد، وهي كثيرة، ما جعله مبعث الإطمئنان وملاذ الخصوم والاصدقاء على حد سواء، وهو الذي يعرف جيداً الميثاقية اللبنانية وموقع لبنان العربي وعمقه وخصوصية المسافة بين إيران والسعودية، التي يضعها باحتراف على ميزان الواقع اللبناني من دون ان يسقط المسلمات الوطنية او يتراخى بالتأثير الغربي.
بشهادة الخصوم قبل الأصدقاء، أثبت بري جدارته في مقاربته للاحداث والوقائع اللبنانية. يجمع المتفرق ويلملم المتباعد. فعندما يجمع الى حليفه الدائم وليد جنبلاط، صديقه الدائم طلال ارسلان فهو يجمع الى دارته الموحدين الدروز الذين كادت ان تعيدهم الانقسامات الى الفتنة الكبرى. وعندما يلقي الرئيس سعد الحريري بشجونه وشؤونه وهموم الغدر والطعن والتخلي، فإنه يعود الى طمأنينة الصراحة التي طبعت العلاقة من الاب الى الابن.
فقبل يومين رعت عين التينة لقاء مصالحة درزية فجمعت خصمين في السياسة، لتقفل صفحة سوداء في تاريخ الجبل. وأمس فتحت ذراعيها تستقبل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي حل ضيفاً على رئيس مجلس النواب نبيه بري لساعتين، اجتمع خلالها الرجلان على انفراد تخللته مأدبة غذاء.
وأتت الزيارة مع اعلان قصر بعبدا عن المبادرة الحوارية التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون وحدد موعدها في 25 من الجاري، والتي سيتولى بري دعوة رؤساء الكتل النيابية اليها وغايتها التداول في الأوضاع الراهنة والتركيز على وحدة الصف في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان. كلما توسعت رقعة الازمة عادت عين التينة لتلعب دور الاطفائي. كان واضحاً رئيس مجلس النواب حين قال أخيراً انه لن يجعل البلد يتدهور على عهده. لكن التدهور لم يقتصر على جانب دون آخر، بلغ حدّاً لم يعد ممكناً الاستمرار في ظله، ومع ذلك لم يملّ من تدوير زوايا الخلافات السياسية ويمارس دور الاطفائي في أكثر من اتجاه، سواء في حماية الحكومة وانتشالها من شر اعمالها وسقطاتها المتتالية، أو من خلال الحفاظ على الوصل مع القوى السياسية خارج الحكومة والعمل على وأد الفتنة.
كثيرة هي المواضيع المفترض انها طرحت على بساط البحث. ولعل أولها وأهمها أجواء الشحن الطائفي التي تأججت على خلفية أعمال الشغب التي شهدها وسط العاصمة، والتي حاول البعض البناء عليها من داخل الساحة السنية لتحسين رصيده او تعويم حضوره سنياً، والغمز من قناة صمت الحريري او تسجيل نقاط عليه في السياسة. وشكل ما حصل وما سبقه من اجواء شحن مماثلة مصدر قلق للرئيس بري الذي لا يزال يحتضن الحريري سياسياً، ويحرص على دوره على الساحة السياسية ولو كان خارج الحكومة. ويذهب البعض حد القول ان بري ولو توقفت الامور عليه لأعاد الحريري الى الحكومة اليوم قبل الغد، وهو كان الحريص مع جنبلاط على عدم اخراجه من المعادلة المحلية. وقد زادت قوة هذا الاحتضان مع خروج بهاء الحريري الى الواجهة وما نتج عنه من بلبلة يستبعد ان يكون قرارها محلياً بحتاً. في المقابل يمكن القول ان مونة بري على الحريري لم يبلغها أي طرف آخر.
سمع الحريري ما سمعه من بري من نصائح وتوضيح للأوضاع وخرج من دون الادلاء بأي تصريح. لكن ما لم يقله الحريري استنتجه من واكب خروجه من الجلسة بحيث بدت علامات الارتياح على وجهه. ومن عين التينة توجه الحريري الى بيت الوسط لترؤس اجتماع كتلته النيابية وإبلاغ الجميع في بداية الجلسة ان الجو في عين التينة “دافئ وهادئ”. عبارة استخلص منها الحاضرون ان نتائج اجتماعه مع بري كانت جيدة ومفيدة. وعلم ان اللقاء تركز على بحث جملة مسائل من بينها: تهدئة التوتر السني الشيعي، التنسيق لاجتماع بعبدا الحواري، واحتضان الحريري وتأمين دعمه على الساحة السنية مقابل الهجمة عليه، فضلاً عن البحث أو التنسيق في حال حصول أي طارئ بموضوع الحكومة.
وتنقل مصادر مقربة من بيت الوسط أن “اللقاء أكد أن لا اولوية تتقدم على حفظ السلم الاهلي وتكثيف المساعي لمنع اي محاولة تريد اخذ البلد نحو منزلقات الفتنة”. وساد توافق بين الرئيسين على ان “التخريب الذي يطاول الممتلكات العامة والخاصة والتطاول على المقدسات مدان بكل المقاييس ولا يعبر عن وجع الناس”.
أما النقطة الاساسية هنا فهي أن الحريري تبلّغ من بري انه مكلف بدعوة رؤساء الكتل النيابية لإجتماع بعبدا في 25 من الشهر الجاري، وان البحث سيتناول الشأن الامني، غير أن الحريري لم يبد أي موقف تجاه الدعوة وترك الجواب معلقاً.