لم تكن عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عادية بل نارية، نقلت هواجس المواطن الممتعض من تغييب رئيس الجمهورية واحتكار التفاوض وضرب الدستور، وذلك من خلال تساؤلات محورية حقيقية: “مَن يفاوض على وقف إطلاق النار؟ وباسم مَن؟ ولصالح مَن”؟
أجواء من الترقب والحذر تعيشها بكركي، تخشى ضياع الكيان الذي أسّسته، وصوت الراعي الغاضب ليس إلا تعبيراً عن الامتعاض من حكّام أوصلوا لبنان إلى الأزمة الاقتصادية والانهيار، يراوغون وكأن الجنوب لا يُدمّر وبقية المناطق لا تقصف، فيما المؤامرة المرسومة مستمرّة.
ابتعد الراعي كلياً عن السياسة واحتكم في عظته إلى الدستور للتوجه إلى من استعمل سلاحاً غير لبناني لدخول حرب خدمةً لأجندات خارجية لا تمتّ إلى مصالح لبنان بصلة. فقد اعتبر الراعي “أن تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية عمل مقصود من أجل تغييب رأس الدولة والتفاوض باسم لبنان مثلما يحصل الآن”.
كلام أكثر من واضح، قصد من خلاله “الثنائي الشيعي” بشكل أساسي، باعتبار أن من يعطّل جلسات انتخاب الرئيس هو “الثنائي” والحلفاء، ومن يفاوض الآن هو رئيس مجلس النواب نبيه برّي بتكليف من “حزب .الله”.
لم يتحدّث الراعي بلسان أبناء طائفته، بل بلسان الأغلبية اللبنانية التي دخلت في حرب لا تريدها، ولا تعرف على أي أساس يتمّ التفاوض على وقف إطلاق النار. وانطلاقاً من هذه النقطة، أوضحت مصادر كنسية لـ “نداء الوطن” أن “صرخة الراعي لا تنبع من حرص على دور طائفته كما يحاول البعض الترويج، فكل لبنان منكوب ومأزوم، والطائفة الشيعية هي أكثر المتضررين، بل كلامه يأتي في سياق منع تكرار خطايا الماضي التي ضربت أسس الدولة وجعلت الدويلات تتحكّم بالبلد، وأوصلته إلى الخراب والدمار”.
ترفض بكركي كل ما يحصل، تطالب بانتخاب رئيس للجمهورية فوراً لأن مجلس النواب تحوّل إلى هيئة ناخبة، كما يتقاعس بعض النواب عن القيام بواجباتهم، لذلك ترى البطريركية أن هناك مخططاً يُترجم حالياً، هدفه ضرب الدولة اللبنانية وإسقاطها للوصول إلى تحقيق إنشاء دويلات بهويات غير لبنانية.
تؤكّد البطريركية أن مواجهة المشروع الإسرائيلي، يكون بوجود دولة قوية وجيش قوي يمسك الوضع في الداخل ويخاطب المجتمع الدولي، لذلك الاستمرار في تعطيل انتخاب الرئيس يصبّ في خدمة إسرائيل.
تسترجع بكركي يوم كان للدولة اللبنانية رؤساء جمهورية أقوياء يفاوضون باسمها، أما اليوم فالزمن تغيّر، ومن يتحكّم بالدبلوماسية اللبنانية وبمصير البلد هو السلاح غير الشرعي، وبات تحرّك كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، وفق الهامش الذي يمنحه إياه هذا السلاح، في حين تدخل إيران مباشرةً على الخطّ وتعطّل أي مبادرة رئاسية أو أي محاولة لوقف إطلاق النار والوصول إلى تسوية ما لم تتفق مع مصالحها او أهدافها الاستراتيجية.
تحاول بكركي التحرّك قدر الإمكان لحماية ما تبقى من الكيان، وتعمل لتمرير التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون بسلاسة، وترفض كل الطروحات التي تتحدّث عن تمديد لستة أشهر للقائد، وترى فيها محاولة سياسية خبيثة لن تمرّ. في المقابل تعمل على تحريك عجلة الملف الرئاسي عبر إجراء سلسلة اتصالات داخلية وخارجية، لكنها تعلم باستمرار التعطيل لأن قرار نزول النواب المقاطعين إلى المجلس هو في يد إيران، ولن يُفرج عن الرئاسة إلا إذا قررت طهران ذلك. لكن على الرغم من أهمية الملفات السياسية، يبقى الأساس عند بكركي التزام تطبيق الدستور والقرارات الدولية وعودة الدولة برأسها وتسليم كل الميليشيات سلاحها وحصر السلاح بيد الجيش والأجهزة الأمنية فقط لا غير.
آلان سركيس – نداء الوطن