أما من ناحية الاتصالات السلكية، أي شبكة الإنترنت السلكية، فمن الصحيح أن البنية التحتية لتكنولوجيا الألياف البصرية (fiber optics) موجودة منذ زمن، إلا أنها لم تصل بعد إلى عدد كبير من المناطق في لبنان، وهذا الأمر يؤثّر بشكل كبير على سرعة الإنترنت المتاحة، فبحسب موقع data reportal يبلغ متوسط السرعة نحو 9.39 ميغابت في الثانية في حين لو كانت شبكة الألياف البصرية متاحة يجب أن يكون هذا الرقم على الأقل 50 ميغابت في الثانية بحسب أرقام أوجيرو.
وبحسب تقرير لشركة «ماكنزي»، فقد تحوّل الإنترنت من شبكة «غامضة» للباحثين وخبراء التكنولوجيا قبل ثلاثة عقود، إلى حقيقة يومية لأكثر من ربع سكان العالم، إذ يرتبط ملياري شخص بالإنترنت، ويتم تبادل نحو 8 تريليونات دولار كل عام عبر التجارة الإلكترونية، أي نحو 8% من الناتج العالمي. كما يظهر التقرير أن الإنترنت يمثل، في المتوسط، 3.4% من الناتج المحلي في الاقتصادات الكبيرة التي تشكّل 70% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. فإذا كان استهلاك الإنترنت قطاعاً، سيكون وزنه في الناتج المحلي الإجمالي أكبر من قطاع الطاقة أو الزراعة. كما أن إجمالي مساهمة الإنترنت في الناتج العالمي أكبر من الناتج المحلي لإسبانيا أو كندا، وهو ينمو بشكل أسرع من الناتج المحلي للبرازيل.
إلا أن المشكلة الأساسية في لبنان هي وجود شبكة اتصالات لا تسمح باستغلال العدد الجيد من مستخدمي الهاتف من جهة، ومن جهة ثانية لا يوجد أي استراتيجيات لاستغلال هذا الانتشار للهواتف. يتمتع لبنان بعدد كبير من مستخدمي الإنترنت، ويعود ذلك إلى نفس انتشار الهواتف، إذ بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في عام 2024 نحو 4.76 ملايين، حيث بلغت نسبة انتشار الإنترنت 90.1% من المقيمين. الفكرة هنا، هي أن هذا العدد من مستخدمي الإنترنت يفتح المجال أمام استخدام الإنترنت بشكل يُسهّل حركة الدورة الاقتصادية. على سبيل المثال، يمكن لهذا الأمر أن يلغي دور الوسيط في العمليات التجارية، حيث يستطيع المنتج أن يبيع بضائعه عبر الإنترنت من دون الحاجة إلى تاجر يأخذ جزءاً كبيراً من القيمة المضافة التي يصنعها المنتج، وهو ما يسهم برفع أرباح المنتج وخفض الكلفة على المستهلك.
المشكلة في هذا الموضوع، هي مشكلة مشتركة مع باقي مشكلات الاقتصاد اللبناني، وهي تتعلّق بعدم وجود إستراتيجية لاستغلال العوامل التي تعطي الاقتصاد اللبناني بعض هوامش المنافسة في قطاعاته المختلفة. وما يحدث هو أن الاقتصاد متروك ليسير بمسار من دون أي تدخّل، وهو ما يسهم في هدر الموارد من دون أي مردود مُحتمل.
في عام 2023 استورد لبنان أجهزة هاتف بقيمة 224 مليون دولار مقارنة مع 327 مليون دولار في 2022، إلا أن حجم الاستيراد في عام 2023 ما زال أعلى مما كان عليه قبل الأزمة في 2019 حين بلغ 177 مليون دولار. ومع انفجار الأزمة، تراجع الاستيراد إلى 93 مليون دولار في 2020، إذ تراجع الطلب على هذه الأجهزة. ففي هذه الفترة التي تتسم بكونها فترة انعدام يقين سببه انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار وتراجع القدرة الشرائية، قرّرت الأسر التخلي عن استهلاك ما لا يمثّل أولوية لديها، تحسّباً لتدهور أكبر في الأيام التالية. إلا أنه منذ عام 2021 عاد استيراد الهواتف إلى الارتفاع بالعدد والقيمة. لكن اللافت أن المعدل الوسطي لسعر استيراد جهاز الهاتف انخفض من 138 مليون دولار في عام 2019 إلى 109 دولارات في عام 2023، ما يشي بأن تحوّلاً في الطلب الاستهلاكي دفع نحو استيراد الأجهزة الأرخص بدلاً من الهواتف التقليدية الأغلى (مثل أيفون وسامسونغ). لهذا، ظهرت في الأسواق الهواتف الصينية بشكل كبير وشهدت انتشاراً واسعاً في السوق.
ماهر سلامة – “الاخبار”