بالأسماء والتفاصيل: انتخابات عكار… صراع العائلات والأحزاب؟!

  • Feb 24, 2022 - 9:20 am

لا ريب أنّ لكل دائرة خصوصيتها الانتخابية. ففي دائرة الشمال الأولى، أيّ عكار، يطغى الطابع العائلي والعشائري على الطابع السياسيّ في أغلب البلدات. فهذه المحافظة تعاملت معها الدولة منذ قيامها على طريقة المرابعين، وهم الوسطاء بين الملاك والمزارعين، ما حوّل النواب إلى وسطاء في العلاقة بين الدولة ومؤسساتها والمجتمع العكاري.

تعاقبت السنوات وتبدّلت العهود وبقي هذا التقليد هو السائد. فعكار، بجردها وساحلها، ليست في نظر الدولة سوى مجرّد منطقة ريفية فقط. لذلك كان تأثير عاصفة 17 تشرين 2019 محدوداً نسبياً في عكار، ولم تجدِ محاولات الثائرين الآتين من خارج حدود المحافظة في بثّ الروح الثورية أو التغييرية في شرايين المجتمع العكاري، الذي يبدو أكثر اهتماماً بالصراعات المحلية العائلية، وغير مبالٍ كثيراً بالسياسة وأهوالها، لأنّ المحافظة بقيت على هامش الوطن على مدار قرن كامل من عمر الكيان، ولا تزال تتربّع على عرش أكثر المناطق حرماناً في لبنان.
لا يعني ذلك أنّ الصراع السياسيّ لا أثر له في عكار، بل هو حاضر باصطفافاته وتجاذباته، ولا سيّما في البلدات “الحضريّة”، وبتأثير أبناء المحافظة المنتشرين في باقي المدن طلباً للعلم والعمل، مع انتماء شطر واسع منهم للأحزاب والتيارات السياسية، لكنّ الطابع العائلي يبقى الأكثر حضوراً وطغياناً في المعارك الانتخابية.

التيار قويّ بأصوات السُنّة

يقول الإعلام العوني إنّ جيمي جبور، عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحرّ، احتلّ المركز الأوّل في التصويت الماروني في عكار العام 2018، متفوّقاً على النائب هادي حبيش، بما معناه أنّ الأخير نجح بأصوات السُنّة.

بيد أنّ جبور حصل وقتها على 8.667 صوتاً، وأسعد درغام على 7.435 صوتاً، في حين بلغ الحاصل الانتخابي (15.960 صوتاً). أيّ أنّ كلاهما لديهما مجتمعين حاصلاً واحداً فقط، علماً أنّهما كانا المرشحَيْن البرتقاليَيْن الوحيدَيْن في اللائحة التي حملت اسم “عكار القوية”. حينذاك كان العهد لا يزال في زهوته، أمّا اليوم وبعد انهيار البلاد على كل الصعد، فمن الصعب للغاية أن يكون التيار العوني لا يزال محتفظاً بهذه الأرقام.

أمّا الحاصل الثاني، فقد بلغه التيار عبر أصوات المرشحين السنّة الثلاثة على لائحته: محمد يحيى (8.144 صوتاً)، محمد شديد (5.277 صوتاً) وهو رجل أعمال ترشّح عن الجماعة الإسلامية، والثالث هو محمود حدارة (1.628 صوتاً) وهو شقيق عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل سامر حدارة. ليكون المجموع 15.049 صوتاً.

في النتيجة لم يفز جبور بسبب تفوّق هادي حبيش عليه في الأصوات التفضيلية (13.055 صوتاً)، وفاز أسعد درغام عن المقعد الأورثوذكسي الثاني، إذ سبقه القوّاتي وهبي قاطيشا (7.911 صوتاً). وجُيّر الحاصل السنّي للمرشح العلوي على اللائحة مصطفى حسين (1.353 صوتاً).

من هو المرشح العلوي؟

الأخير رغم فوزه بالمقعد العلوي، إلا أنّه لم يكن الأوّل بالأصوات العلوية. بل سبقه المرشح حسين السلوم (4.245 صوتاً)، البعثي الهوى والقريب من دمشق، الذي خاض الانتخابات على لائحة “القرار لعكار”، وحصل على رقم لافت للغاية في لائحة لم تنجح في تجاوز العتبة الانتخابية، فقد حصل تقريباً على رقم يعادل ثلث أصوات العلويين (13.767 ناخب).

هذا مردّه الى أنّ “القرار لعكار” كانت الممثل الفعلي لمحور الممانعة، وليس لائحة “عكار القوية” الباسيلية، التي ضمت شخصيات غير بعيدة عن تيار المستقبل، أبرزها النائب السابق في كتلة المستقبل رياض رحال. كما أنّ مصطفى حسين نفسه سبق أن فاز في انتخابات العام 2005 وانتمى وقتها إلى كتلة المستقبل قبل أن ينسحب منها لاحقاً. وحسب المعلومات فإنّ السلوم البعثي الهوى سيحلّ مكان حسين على لائحة التيار.

حزب الله وعودة الأسد

يعمل حزب الله منذ مدّة لزيادة حصّته في الشارع السُنّي، وفي عكّار تحديداً، تارة عبر الضوضاء الإعلامية عن المساعدات التي يقدمها، وطوراً عبر المازوت الإيراني، وهذا سابق لانسحاب الحريري.

الحزب المدرك لواقع حليفه الانتخابي الدقيق في كل الدوائر، يحرص على توفير كل الدّعم له، ويعمل على تشكيل لائحة في عكار تجمع حليفه العوني إلى مرشّحين عن بعض الأحزاب العقائدية الحليفة له والمقربة من دمشق.

فقد أعاد الحزب القومي السوري الاجتماعي تفعيل حضوره في عكار في السنوات الأخيرة، وهو الذي يمتلك حضوراً تاريخياً وقاعدة صلبة في عدد من البلدات العكارية السنّية، ولديه حوالي ثلاثين مديرية تابعة لمنفذية حلبا، وكان لديه ممثل في البرلمان عن عكار هو الراحل حسن عز الدين، الذي عُين وزيراً للتعليم المهني والتقني في حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى عام 1992.

كذلك حال حزب البعث الذي عاد إلى “الانبعاث” إثر تعيين قيادة جديدة له بعد طول انكفاء. وكان لافتاً تركيز أمينه القطري الجديد علي حجازي على المناطق السُنّية، فافتتح مركزاً للحزب في عرسال، ويستعدّ لافتتاح مركزيّن جديديّن في عكار، واحد في حلبا، والآخر في وادي خالد. وهي خطوة لها دلالاتها، وتؤكد أنّ العين السورية هي على المناطق القريبة من حدودها، في محاولة من دمشق لاسترداد نفوذها التاريخي فيها.

بحسب المعلومات المتداولة فإنّ الحزب القومي سيرشح واحداً من الأخوين عبود، إميل أو شكيب، عن المقعد الأرثوذكسي. والأوّل خاض انتخابات عام 2018 ضمن لائحة “القرار لعكار” وحصل على 4.915 صوتاً تفضيلياً.

أما حزب البعث فتبنى مبدئياً ترشيح أحد قيادييه وهو عمار أحمد عن المقعد العلوي، ما يخلق إشكالية حول تحالف البعث مع التيار العوني، إلا في حال نجحت مساعي دمشق وحزب الله في تذليل هذه العقبة العلوية.

من هم المرشحين السُنّة؟

أوّل الأسماء البارزة هو أيمن اليوسف، الرئيس السابق لإتحاد بلديات وادي خالد، الذي ينتمي إلى عشيرة العتيق، أكبر العشائر في الوادي. وتحدّث الأخير عن انتظاره كلمة السرّ السورية لإعلان ترشيحه رسمياً، علماً أنّه أقام مهرجاناً ضخماً احتفالاً بفوز بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

أما الاسمين الباقيين فلا يزالان غير واضحين. فالنائب السابق محمد يحيى الذي ترشح عام 2018 على اللائحة العونية، كان راغباً في التحالف مع تيار المستقبل، بعد أن ساءه التجاهل العوني له عقب الانتخابات الماضية رغم تأمينه نصف حاصل له. ويصعب انضمامه إلى هذه اللائحة رفقة اليوسف فكلاهما من وادي خالد، بما يعني أنّ واحداً منهما سيكون مرشحاً على اللائحة العونية.

جبور أم درغام ؟

ثمّة تساؤلات كثيرة عن هوية المرشحين العونيين على اللائحة، فهل سيتم ترشيح جبور ودرغام مجدداً مع أنّ القرار هو بترشيح حزبي واحد في كل دائرة لمنع تشتت أصوات المحازبين. وفي حال ترشيح واحد فقط من سيقع عليه الخيار؟ جبور المتقدم في الانتخابات الداخلية؟ أم درغام الأقرب إلى رئيس التيار؟ وهو صاحب الحظوظ الأوفر بسبب وجود مقعدين أورثوذكسيين وعدم امتلاك القوات لحاصل بمفردها.

بيد أنّ أكثر ما تعوّل عليه هذه اللائحة، بعد دعم حزب الله، هو انخفاض نسبة الاقتراع السنّي. لذلك لن تبصر اللائحة النور قبل حسم نواب المستقبل قرارهم، وفي حال فشل جهود جمعهم معاً وتشتت أصواتهم، فإنّ آمال لائحة التحالف تكبر في حصد مقعدين وكسر كبير.

أما في حال حصول العكس، فإنّ المعركة الانتخابية تنحو إلى أن تكون صراعاً بين العائلات من جهة، والأحزاب من جهة أخرى، ما قد يكسبها زخماً قوياً ويرفع من نسب الاقتراع، ويعرّض التيار العوني لاحتمال خسارة مقعد في كتلته لصالح الحلفاء وليس الخصوم، خاصة إذا تمّ ترشيح جبور ودرغام معاً.

سامر زريق – اساس ميديا