رتابة سياسية وسخونة انتخابية.. وأسئلة ديبلوماسية عن التعطيل

  • Feb 8, 2022 - 8:57 am

ما خلا الحدث المنتظر في الايام القليلة المقبلة، المتمثّل بإعادة تحريك مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة بين لبنان واسرائيل، من خلال ما سيحمله الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين للدفع بهذه المفاوضات الى الامام، فإنّ المشهد الداخلي سيبقى محافظاً على حال الرتابة التي تأسره، حيث انّ أقصى المتوقع هو استمرار الدوران في حلقة المراوحة ذاتها، وعملٌ حكومي مستغرق في ملامسة قشور الازمة الداخلية من دون الغوص في عمقها ومقاربتها بما تتطلّبه من اجراءات علاجية تخفف من الفاتورة الغالية التي تُدَفَّع للمواطن اللبناني، والتي اعدمت أمنه الاجتماعي والمعيشي والصحّي والغذائي وكلّ مفاصل حياته. وضمن سياق المراوحة هذه، تأتي جلسة مجلس الوزراء اليوم، وكذلك جلسة إقرار الموازنة واحالتها الى مجلس النواب الخميس المقبل، إلا أذا طرأ أمر ما فرض تأجيل الإحالة الى موعد آخر. وقد لفت في هذا السياق التأكيد المتجدد لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي على «اننا لا نملك عصا سحرية لمعالجة المشاكل دفعة واحدة، لكننا بالتأكيد نملك الارادة والعزم والتصميم على المحاولة».

على انّ هذه الرتابة مرشّحة لأن تزيد وتتفاعل أكثر، وتفرض انكفاء العمل الحكومي والرسمي بشكل عام الى خلف المشهد، مع السّخونة المتزايدة في الملف الانتخابي، حيث بات جليا أن هذا الملف قد تثبّت بنداً وحيداً في جدول الأعمال الداخلي في الاشهر الثلاثة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية في 15 ايار المقبل.

التحضيرات الداخلية للاستحقاق الانتخابي جارية على قدم وساق، وكلّ طرف يجهّز عدّته وماكيناته وترشيحاته واستطلاعاته، مع الاشارة هنا الى انّ الحلبة الانتخابية تشهد منذ مدّة حرب استطلاعات متناقضة في حساباتها وتقديراتها، بحيث لا يعرف أيّ منها التي تقارب المشهد بشيء من الدقة، وايّ منها التي ترمي ارقاماً ونسباً وهمية غير المستندة الى واقع الدوائر الانتخابية وأمزجة الناخبين فيها. ما أرخى على امتداد المشهد الانتخابي غموضا صعّب على المواطن اللبناني الركون الى أي منها.

وبالتوازي مع ذلك، تدور حركة اتصالات بكثافة وزخم ملحوظ بين الاطراف السياسية في هذه الفترة، لبناء التحالفات وترسيم الجبهات الانتخابية وتحضيرها لما يمكن ان توصف بمعركة تصفية حسابات، يؤكد كلّ ما يتصل بها انها ستكون الأكثر ضراوة من المعارك الانتخابية التي سبقتها منذ أوّل انتخابات نيابية بعد الطائف في العام 1992.

الا ان اللافت للانتباه في هذا الجانب هو انه على الرغم من الشهية المفتوحة في الاعلام على الترشيح، الا ان ذلك يقابله ضعف على الاقبال على الترشيح رسمياً حتى الآن، وربطت مصادر متابعة هذا الامر في سعي المرشحين الى بلورة صورة تحالفاتهم قبل الاقدام على تقديم ترشيحاتهم.

واذا كانت بعض التحالفات الانتخابية قد حُسمت بين بعض الاطراف، مثل “القوات اللبنانيّة” والحزب التقدمي الاشتراكي، و”حزب الله” والتيار الوطني الحر، الا انّ بلورة الصورة الواضحة التي سترسو عليها قد تتطلب وقتا طويلا، كما ان المعضلة الاساس في هذا السياق تتبدّى في أن صياغة التحالفات تعتريها صعوبة ملحوظة، خصوصا أنّ هناك أطرافاً بدأت “ترفع أسعارها”، وتضع شروطا على قوى سياسية تصل الى حد المطالبة بالمناصفة في اللوائح الانتخابية.

وبحسب معلومات “الجمهورية” فإنّ بعض القوى السياسية، وخصوصا تلك التي ركبت موجة انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 وما تلاها من حراكات في الشارع، سَعت الى فتح حوار مع بعض مكونات الحراك سعيا الى الى نسج تحالفات انتخابية معها في بعض الدوائر، الا انها اصطدمت بأنّ بعض هذه المكونات طلب ان يشرك بأكثر من مرشح، فيما البعض الآخر من هذه الحراكات كان رافضاً بالمطلق، حيث اكد انه يتجه الى خوض الانتخابات وحده من دون التحالف مع أي من القوى السياسية او الحزبية المتهمة بأنها كانت جزءاً من السلطة الحاكمة التي تسببت بالازمة التي يعانيها لبنان.

وفي موازاة هذه الحركة، اكدت مصادر موثوقة لـ”الجمهوريّة” انّ الحركة الديبلوماسية الغربية تعكس انّ الملف الانتخابي هو تحت المجهر الدولي.

وكشفت المصادر ان لقاء ديبلوماسيا قد عقد قبل فترة وجيزة وشارك فيه عدد من السفراء الغربيين، نوقِشت خلاله المعطيات المتوافرة حول الاستحقاق الانتخابي في لبنان. كذلك جرى تقييم استعدادات الدولة اللبنانية لإنجاز هذا الاستحقاق في موعده، وتم استعراض مواقف الأطراف المحليّين في ضوء ما تشيعه بعض المستويات السياسية عن محاولات تجري لتعطيل الانتخابات، وتدرج “حزب الله” في موقع العامل الاساس في هذا الاتجاه.

وبحسب المصادر عينها فإنّ الحركة الديبلوماسية نشطت في الآونة الأخيرة في أكثر من اتجاه سياسي ورسمي، تحت عنوان عريض مفاده التحذير من تعطيل الانتخابات، ومن أنّ هذا الامر سيجرّ عواقب وخيمة، ويدفع الشعب اللبناني الى تفجير غضبه في وجه المعطّلين، والمجتمع الدولي سيكون بالتأكيد الى جانب الشعب اللبناني.

وكانت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا قد شدّدت أمس لوكالة “رويترز” أنّ “الإنتخابات النيابية يجب أن تُجرى في موعدها والمجتمع الدولي متوافقٌ على ذلك”.

وأشارت إلى أنّ “الانتخابات يجب أن تُقام بطريقة عادلة وشفافة”، مؤكدة أنه “لا مجال للمُراوغة”.

في المقابل، تلفت المصادر الى انّ الحركة الديبلوماسية تلقت تأكيدات من المراجع السياسية والرسمية اللبنانية بالعزم على اجراء الانتخابات في موعدها من دون تأخير، والتوجّه العام في البلد هو نحو اجراء الانتخابات وليس الى تعطيلها.

ونقل عن مرجع سياسي قوله لديبلوماسيين من سفارة دولة كبرى ما حرفيته: “نحن ادرى بمصلحة لبنان، وقرارنا اجراء الانتخابات. ومع الاسف هناك اطراف تصرّ على التضليل وكتابة تقارير كاذبة فقط لإحباط الناس واثارة العامل النفسي القلق. ومن هنا أقول لكم انكم قبل ان تتبنّوا منطق الاتهام بالتعطيل لهذا الطرف او ذاك، عليكم ان تتثبتوا قبل كل شيء إن كان من ينقل اليكم اخبارا عن محاولات للتعطيل ويسمّي امامكم الاطراف الساعية الى التعطيل بالاسم، صادقا او كاذبا. واسألوه هل يملك دليلا على ذلك. اعتقد ان هؤلاء يغشّونكم، فربما يكون من يتهم الآخرين بالسعي الى تعطيل، هو نفسه من يسعى الى التعطيل”.

وبحسب المعلومات الموثوقة فإنّ المرجع نفسه طرح على الديبلوماسيين سؤالاً مفاده: انتم تؤكدون على اجراء الانتخابات، وهذا هو لسان حالنا اصلاً، ولكن هل تعتقدون ان تعطيل الانتخابات يفيد احداً في لبنان؟ وتابع: “تعطيل الانتخابات لا يخدم اي طرف في لبنان، ويشكّل عامل عدم استقرار في هذا البلد وإثاره مدمّرة على البلد على كل المستويات، وهذا ما لا نريده. واختم لأقول انّ التعطيل جريمة تؤدي الى تخريب لبنان.

تعطيل الانتخابات: وكانت مصادر في كتلة الجمهورية القوية قد اكدت لـ”الجمهورية” انّ “حزب الله” والتيار الوطني الحر يسعيان الى تعطيل الانتخابات، متّهمة التيار بالتحضير لتقديم اقتراح قانون الى مجلس النواب متعلق بالمغتربين.

وسألت “الجمهورية” مصادر في تكتل لبنان القوي، فرفضت تأكيد او نفي تقديم اقتراح قانون لإعادة احياء الدائرة السادسة عشرة المتعلقة بالمغتربين، واكتقت بالقول: لن نرد.

وبدورها قالت مصادر في كتلة الوفاء للمقاومة لـ”الجمهورية”: لسنا معنيين بكل هذا الكلام الفارغ، نحن أعلنّا موقفنا بأننا مع اجراء الانتخابات في موعدها، ونجن جاهزون للانتخابات، وتحالفاتنا باتت واضحة ولسنا كغيرنا قلقين.