هل يكتب 2022 شهادة وفاة جائحة كورونا؟

  • Jan 9, 2022 - 3:15 pm

يبدو أن الوقت كفيل حقا بإصلاح الكثير، ولا يختلف الأمر بالنسبة لجائحة كورونا التي لازمتنا على مدار العامين الماضيين. من طبيعة الأوبئة أنها تنتهي بمرور الوقت، وربما حان الوقت لـ “كوفيد-19” أن يتوقف عن سلب الأرواح ونشر القلق بين البشر. ربما يكون هذا التفاؤل مبكرا في الوقت الذي يجتاح فيه المتحور “أوميكرون” العالم، وتشهد الإصابات ارتفاعات قياسية، لكن الخبر الجيد أنه قد يكون بإمكاننا قريبا أن نتنفس الصعداء ونأمل في عودة الحياة إلى طبيعتها ولو تدريجيا.

أثار ظهور المتحور “أوميكرون” في جنوب أفريقيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حالة من الهلع، بسبب عدد الطفرات الكبير الذي وجده العلماء في حمضه النووي. تستطيع الطفرات أن تُغيِّر من خصائص الفيروس لتجعله أكثر قدرة على الانتشار -كما في حالة أوميكرون-، أو أشد فتكا -كما في حالة المتحور دلتا-، أو أن تُعطِّل تكاثر الفيروس تماما وتمنعه من الانتشار.

ولكن بعد مرور عدة أشهر على ظهور “أوميكرون”، لوحظ انخفاض معدلات الوفيات وانحسار الموجة في جنوب أفريقيا بلا خسائر فادحة، بعكس ما كان يخشاه الجميع. وهنا تساءل البعض إذا ما كان من المحتمل أن يكون “أوميكرون” أخف وطأة من المتحورات السابقة. وقد وجدت عدة دراسات حديثة، لا يزال بعضها قيد النشر، أن “أوميكرون” لا يتكاثر بشكل كبير داخل خلايا الرئة كما تفعل المتحورات السابقة له، التي كانت تُدمِّر خلايا الرئة وتؤدي إلى أعراض حادة تستدعي الحجز في المستشفى واستخدام جهاز التنفس الصناعي، وأحيانا الوفاة.

في إحدى التجارب، استجابت القوارض مثل الفئران والهامستر للإصابة بـ “أوميكرون” بصورة أضعف مقارنة بالمتحورات الأخرى مثل “دلتا” و”ألفا” و”بيتا”. بعبارة أوضح، وُجِد أن “أوميكرون” لا يُصيب القوارض بأعراض المرض الشديدة، وأنه يتكاثر في الجهاز التنفسي العلوي (الأنف والحلق) بمعدل أكبر بكثير من الجهاز التنفسي السفلي (الرئتين). نتيجة لذلك، فإنه يُسبِّب أعراضا أقرب لأعراض البرد العادي، ويُجنِّب الرئتين التدهور الشديد الذي يحدث بفعل المتحورات الأخرى.

على الرغم من أن هذه الدراسات ما زالت قيد المراجعة من الأقران، وهي خطوة أساسية قبل التصديق على أي ورقة بحثية والاعتماد على نتائجها بثقة، فإن توافق نتائج هذه الدراسات باختلاف معطياتها يشي بأن هذا المتحور قد يكون حقا أقل خطورة من سابقيه (1)(2)(3)(4).

على أرض الواقع، تُقيَّم شراسة الفيروس بقياس معدل الإصابات التي احتاجت إلى دخول المستشفى سواء للعلاج في أقسام الطوارئ أو الرعاية المركزة، إضافة إلى أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة بمتحور ما. ولكن بحسب تقرير وكالة الأمن الصحي البريطاني (UK health security agency) بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن نسبة المصابين بـ “أوميكرون” الذين زاروا أقسام الطوارئ أو حُجِزوا في المستشفيات كانت أقل بـ 50% مقارنة بالمصابين بالمتحور “دلتا” في الفترة نفسها (5). الاستنتاج المباشر هنا أنه على الرغم من قدرة “أوميكرون” الشديدة على الانتشار وتخطي دفاعات الجسم، يبدو أنه يتسبَّب في أعراض أقل خطورة من المتحورات الأخرى.

ومع ذلك، يبقى هناك استنتاج محتمل أكثر أهمية، وهو أن الانتشار السريع لهذه السلالة الأضعف من الفيروس لتحل محل السلالات الأكثر ضراوة قد يكون هو المفتاح لنهاية هذا الوباء العاصف، وقد أعطانا التاريخ درسا عمليا في هذا الصدد في أكثر من مناسبة، حين تحوَّرت الفيروسات الضارية وصارت أضعف بمرور الوقت.

البحث عن الإنفلونزا

عند تلك النقطة تحديدا، ربما يُفيدنا الرجوع إلى التاريخ غير البعيد نسبيا للحصول على بعض الأمل، نتحدَّث هنا تحديدا عن جائحة الإنفلونزا الإسبانية، لأنها الأقرب تاريخيا، والأكثر شبها بالوضع الحالي باعتبارها عدوى تنفسية أخرى قتلت نحو 50 مليون إنسان قبل مئة عام تقريبا. الحقيقة أن فيروس الإنفلونزا الإسبانية لم ينتهِ أبدا، بل يمكننا القول إنه -بشكل ما- ما زال يعيش بيننا مُتنكِّرا في هيئة أخرى.

فيروس الإنفلونزا بطبيعته يتحوَّر بسرعة، لذا في غضون أقل من سنتين من اندلاع الإنفلونزا الإسبانية بين عامَيْ 1918-1919، وصلت تلك الجائحة إلى ذروتها ثم انتهت تلقائيا. عندما نقول إن الجائحة انتهت، فإننا نعني أن معدل الإصابات والوفيات الجنوني انخفض بشكل كبير، لتتحوَّل الجائحة الفتاكة إلى مجرد إصابة موسمية عادية. هذا لا يعني أن الفيروس نفسه اختفى من الوجود، إذ إن من مصلحة الفيروس أن يتحوَّر إلى أشكال أقل فتكا، حتى لا يقتل كل الكائنات المُضيفة التي تضمن استمرار تكاثره وبقاءه. الفيروس بحاجة إليك لكي يتكاثر ويستمر نسله، لذا يُفضِّل التعايش معك بهدوء عوضا عن إصابتك بعنف وقتل فرصته في البقاء.

لذا، لا تتعجَّب إذا علمت أن سلالة الإنفلونزا الإسبانية (H1N1) تعيش بيننا حتى هذا اليوم بهدوء موسمي، وتقتل عددا أقل بكثير من البشر. ولكن على مسافات متباعدة، يتحوَّر الفيروس إلى أنواع شرسة بسبب اختلاطه بفيروس إنفلونزا آخر في أحد الحيوانات مثل الخنازير والطيور. تسبَّب هذا في حدوث تفشّيات وبائية عدة على نطاقات أصغر في الأعوام 1957 و1968 و2009، صاحبتها وفيات أقل نسبيا وعلى أوقات متباعدة (6). يتوقَّع العلماء أن يسلك فيروس “كوفيد-19” سلوكا شبيها بهذا.

المناعة الخارقة

وإذا لم يكن تحوُّر الفيروس نحو الضَّعْف كافيا للتخلُّص من الوباء، فربما نمتلك سلاحا آخر وهو جهازنا المناعي. هناك طريقتان لاكتساب المناعة ضد الفيروس، إما الإصابة به مباشرة، وإما تلقي جرعة كاملة من أحد اللقاحات المخصَّصة. حتى اليوم، أُصيب ما مجموعه 300 مليون إنسان حول العالم، ما يُعادل مجموع سكان الولايات المتحدة الأميركية، وهذا هو فقط الرقم المُعلَن من الإصابات، ويُعتقد أن الحقيقة تفوق ذلك بأضعاف.

من هذا الرقم، توفِّي 5.4 ملايين إنسان نتيجة الإصابة بالفيروس، وإن كانت الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير أيضا. أما بالنسبة للقاحات، فقد تلقَّى 50.4% من سكان الكوكب جرعة كاملة من أحد اللقاحات حتى اليوم.

هذا رقم مُبشِّر للغاية، ولكن ينقصه العدالة في توزيع اللقاحات، فبينما تخطَّت نسبة تلقيح السكان في بعض الدول حاجز 80%، فإن بعض الدول الأقل حظا في القارة الأفريقية لم تتخطَّ نسبة التلقيح بها حاجز 1% بعد (7). ولكن في النهاية، من المرجَّح أن هذين العاملين قد ينجحان معا في تحقيق مناعة القطيع إذا تحرَّكا بسرعة كافية. كلما زادت نسبة السكان الملقحين، ونسبة السكان الذين تعرَّضوا للعدوى ونجوا منها، سارعت هذه الجائحة نحو الانتهاء. يمتلك “أوميكرون” ميزة هنا، وهي سرعة انتشاره مع انخفاض حِدَّة الأعراض، مما قد يُسرِّع عملية اكتساب مناعة القطيع حول العالم.