سنة على زلزال انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، لعل العبارة وحدها تكفي لاختصار مجلدات عما حلّ بلبنان واللبنانيين منذ ذاك الموعد التاريخي بشؤمه القياسي بلوغاَ الى اليوم تحديداً أي الذكرى السنوية الأولى للانفجار. لعلّ ما قيل داخلياً وخارجياً في مجزرة انفجار المرفأ التي اعادت لبنان الى عناوين الكوارث العالمية بما زاحم عنوان جائحة كورونا الموازية عالمياً فاق وتجاوز كل ما سبق المساحات الإعلامية والسياسية والديبلوماسية والقضائية وحتى الحربية التي انشغل بها العالم بلبنان طوال حقبات حروبه وازماته في الأربعة عقود الأخيرة. ومع ذلك، لا مغالاة في القول في ان أسوأ الأسوأ في حصيلة السنة ما بين الانفجار والذكرى السنوية الأولى لاحياء ذكرى شهدائه وجرحاه ومتضرريه مع كل تداعياته على المستوى الوطني والقضائي والإنساني والاجتماعي يختصر في اجتماع يكاد يصبح “كونياً” على ان هذا الزلزال وما تسبب به، لم يكن أولا وأخيرا وأياً تكن أسبابه وملابساته وظروفه المباشرة وغير المباشرة الا نتيجة حاسمة لا جدال حولها لرزوح لبنان تحت وطأة دولة فاشلة فاسدة ومشبوهة بكل المعايير. ولم يكن أدل على ثبوت وثبات هذه الحقيقة المفجعة المدوية من مرور سنة تناوب خلالها على التحقيق العدلي في مجزرة الانفجار محققان عدليان فيما لا تزال الدولة الفاشلة إياها تعاند وتكابر وتعرقل مهمة التحقيق وتأسر تالياً الحقيقة التي كان يتعين ان تكون كشفت المجرمين او المتواطئين او المتخاذلين او المقصرين او المهملين في “سر الاسرار” الدفين المتصل أولاً بمن احضر الاف أطنان نيترات الامونيوم الى مرفأ بيروت وخزنها في ذاك العنبر سنوات وسنوات قبل ان ينفجر جزء من الكمية مزلزلا بيروت، وكيف انفجر وبأي طريقة وظروف وملابسات. أما الطبقة السياسية، فلم تكن بمعظم قواها بصورة افضل من الدولة والسلطة وسط هبوط مخيف في المهابات جعل المجزرة تتحول ساحة مباراة معيبة ومخجلة وهابطة للمزايدات واللعب على العواطف والاستثمار السياسي الرخيص الامر الذي فجر أخيرا ملف الحصانات ولم يقفل بعد على أي نهاية.
وسط هذه الأجواء القاتمة ستتجه الأنظار اليوم الى مرفأ بيروت وسط استعدادات شعبية كثيفة للمشاركة في الذكرى توازي حجم الجريمة التي حصلت وأودت بحياة 218 شخصا واكثر من 6500 جريح وتشريد عشرات الألوف من منازلهم ومؤسساتهم وإحداث دمار هائل في بيروت. وفي إدانة صارمة جديدة للسلطة عشية احياء الذكرى أصدرت منظمة “هيومن رايتس واتش” الدولية تقريرا دلّ مجدداً الى تقصير الطبقة الحاكمة بدءاً برئيس الجمهورية نفسه، في حماية المدنيين من الانفجار . وأشار التقرير إلى وجود أدلة قوية تشير إلى أن بعض المسؤولين اللبنانيين علموا وقبلوا ضمنيا بالمخاطر التي تشكلها مادة نيترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت قبل الانفجار المروع . ويخلص التقرير الذي يقع أكثر من 127 صفحة ويشمل نتائج ووثائق إلى أن هناك أدلة الى أن عددا من المسؤولين اللبنانيين ارتكبوا جريمة الإهمال الجنائي بموجب القانون اللبناني. وتتبع التحقيق أحداثا ترجع إلى عام 2014 وما بعده في أعقاب جلب الشحنة إلى مرفأ بيروت، كما رصد تحذيرات متعاقبة بشأن خطورة هذه الشحنة إلى جهات عدة رسمية. ودعت المنظمة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في الانفجار وحثت الحكومات الأجنبية على فرض عقوبات على المسؤولين تتعلق بحقوق الإنسان والفساد. وقال تقرير هيومن رايتس إن الرئيس #ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا ووزراء سابقين طلب القاضي بيطار إفادات منهم، تقاعسوا في اتخاذ إجراءات لحماية الناس على الرغم من إبلاغهم بالمخاطر.