البطاقة التمويلية كطرح في وجه الجوع… ما آخر المعطيات بشأنها؟

  • Jun 27, 2021 - 7:42 am

لم تبصر البطاقة التمويلية النور حتى الساعة، ووصل الدولار في التعاملات الصباحية اليوم إلى 17300 ليرة لبنانية. ويسود خلاف كبير على استراتيجية الإنقاذ، في ظلّ غياب سلطة تنفيذية واضحة المعالم تتخذ القرار. صحيح أنّ التدهور الحادّ في القدرة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة يحتّمان وضع خطّة تحمي الشعب، الذي فقد وظائفه وتبخّرت دولاراته من ويلات العوز، إلّا أنّ الخلاف السائد هو على جدوى هذه البطاقة التمويلية، التي أخذت أشهراً قبل إقرارها في اللجان النيابية المشتركة الخميس. ويرى كثير من الخبراء أنّ الهدف من إقرارها ليس إلّا استعادة الزبائنية من جديد، ويشدّد على أنّ وضعها قيد التنفيذ سيزيد المشكلة بعد إضافة ديون الدولة بالعملة الصعبة، من دون إفادة الشعب الذي سيجد قدرة هذه البطاقة تتهاوى مع الانهيار الحرّ للّيرة في السوق السوداء. لكن وفق معلومات “النهار” الأولية، ستُعطى البطاقة بالدولار الأميركي.

ولا بدّ من تشكيل حكومة قادرة، لأنّ حكومة الرئيس حسان دياب لم تتحمل المسؤولية خلال هذا الانهيار الضخم، ولو أنها في فترة تصريف الأعمال. هذا هو الحلّ لبعض الخبراء، إلّا أنّ الجهات القيّمة على إقرار البطاقة تفيد بأنها اتجهت نحو الإسراع بهذه الخطة، بناءً على الضغط الشعبي وكلام الصحف. أمام هذه الوقائع ما الجدوى من بطاقة تمويلية بعد الوصول إلى هذا الدرك من دون إصلاحات جذرية وتفاوض مع صندوق النقد الدولي؟ وما آخر المعطيات بشأن البطاقة؟

أقرّت البطاقة التمويلة في اللجان النيابية المشتركة بعد جلسات استمرت من 18 حتى 22 حزيران، قامت اللجنة الفرعية إثرها بإعداد النصّ الذي ناقشته اللجان المشتركة، وسيُطرح في جلسة عامة في المجلس النيابي الأسبوع المقبل. وقال النائب ورئيس اللجنة الفرعية التي درست البطاقة التمويلية ياسين جابر: “كان أمامنا مشروع قانون مقدّم من الحكومة واقتراح قانون (تكتل لبنان القوي)”. أصبحت كلفة البطاقة التمويلية 556 مليون دولار، سيستفيد منها نحو 500 ألف عائلة. وسيعمد المصرف المركزي إلى تمويل البطاقة من التوظيفات الإلزامية بناءً على المادة 91 من قانون النقد والتسليف إلى حين حصول الدولة على قرض البنك الدولي. ولم تسجل أي عائلة حتى الآن للحصول على البطاقة التي اتهمها الخبير الاقتصادي والدكتور جاد شعبان بـ”الوسيلة التي تخوّل المنظومة الحاكمة شراء الولاءات والأصوات قبل الانتخابات النيابية”.

في التفاصيل، طرح البنك الدّولي أمام وزارة المال استخدام بعض الأموال المرصودة للبنان في قروض لمشاريع لم تنّفذ بعد، إجمالي المبالغ نحو 968 مليون دولار غير مسحوبة حتى الآن. بعد البحث والتدقيق تبيّن أنّ قروض عدّة قد خصصت لمشاريع انطلق العمل بها مثل قرض التربية، والقرض المخصص لبحيرة القرعون والبالغ 45 مليون دولار، وغيرهما. ولكن اتضح أنّ مشروع النقل العام للركاب ضمن بيروت، والذي يواجه بعض التعقيدات اللوجيستية لتنفيذه، يمكن تخصيص أمواله التي تبلغ 300 مليون دولار للبطاقة التمويلية، بحسب جابر الذي أكّد لـ”النهار” أنّ “طرح البنك الدولي كان أنّ يدفع لبنان مقابل حجز هذه الأموال التي خصصت لمشروع لم ينفذ بعد، لذلك يمكن استخدامها، واحتمال الحصول على تمويل جديد للمشروع يبقى محفوظاً”. ولا يستبعد جابر أن يتعرّض هذا الطرح لبعض الانتقادات كون مشروع النقل في بيروت مهماً، إلا أنّ ثمة تعقيدات لوجيستية مع البلديات والمناطق تعترضه الآن.

حُلّت نظرياً مشكلة تمويل البطاقة، فالمصرف المركزي الذي أوضح أنّه مستعد ليمول البطاقة سنداً للمادة 91 من قانون النقد والتسليف، اشترط أن تتعهد الحكومة بردّ الأموال، لتكون 300 مليون دولار كقرض من البنك الدولي جاهزة، لكن أوضح جابر أنّ نقلها لتمويل البطاقة التمويلية سيستغرق نحو 4 أشهر، ويُؤمّن الجزء المتبقي من قرض جديد من البنك الدولي يحصل عليه لبنان في حال سلك المسار الإصلاحي المطلوب.

وقال جابر: “القانون سيتضمن مادة تنصّ على أنّ أي تمويل أكان قرضاً أو هبة أو غيرهما، سيستخدم حصراً لتسديد القروض المأخوذة”.

بالعودة إلى المادة 91 من قانون النقد والتسليف، فقد أتت هذه المادة كاستثناء على المادة 90 من القانون عينه، والتي نصّت على أنّ المبدأ هو عدم منح المركزي قروضاً للقطاع العام، وجاءت المادة 91 بأحد الاستثناءات التي أوردها القانون في هذا الشأن، وهو أنّه في “ظروف استثنائية الخطورة، أو في حالات الضرورة القصوى، إذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علماً بذلك”.

وفي هذا السياق، وضمن التحليل العلمي للبطاقة التمويلة، اعتبر شعبان في حديث مع “النهار” أنّه “إذا اعطيت هذه البطاقة، وترافقت مع ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات عالية، ماذا سيستفيد المواطن اللبناني؟ وستكون الدّولة قد استدانت بالدولار وزادت دينها نحو 500 مليون دولار، وفقد الشعب قدرته الشرائية. أمام هذا السيناريو، المطلوب إصلاحات بنيوية تحافظ على قيمة النقد الوطني وتحدّ من الانهيار، وخلاف ذلك، وفي طرح البطاقة التمويلية، أرى أنّ المنظومة تخطط للفوضى الخلاقة التي ستسمح لهم بضمان حصولهم على أصوات مؤيّدة في الانتخابات النيابية المقبلة”.

وعلى صعيد الشق التنفيذي، لم تُحدد بعد العائلات التي ستستفيد من البطاقة التمويلية، لكن قدّرت بأنها ستكون نحو 500 ألف عائلة. ولفت جابر إلى أنّ “على اللجنة الوزارية تحديد الشروط الواجب توافرها للحصول على البطاقة، لكنها ستكون أقل تعقيداً من البرامج السابقة التي كانت تمنع موظفي القطاع العام ومنهم القوى الأمنية، ومن الشروط المطروحة رفع السرّية المصرفية عن حسابات المتقدم، والذي يكون من الفئة التي يشملها التعميم 158 من المفترض عدم حصوله على البطاقة، فبحسب تقرير وزير المال يوجد 762 ألف حساب يمكنها الاستفادة من التعميم. وعلى طاولة اللجنة الوزارية اقتراحات متنوعة منها عدم استفادة من تساعده عاملة أجنبية من المنزل، ومن يسافر للسياحة مرّات عدّة في السنة”.

وأفادت المعلومات أنّ الآراء متنوعة داخل اللجنة الوزارية الأمر الذي يؤخر البت بالطرح. لكن رفع ال#دعم عن السلّة الغذائية، سيقابله تخفيض للدعم على الأدوية، وبحسب جابر “من الممكن بقاء الدّعم على القمح، أمّا المازوت فالمطروح أن يكون هناك معاملة خاصة للمولدات الكهربائية، والمستشفيات والمصانع، أمّا الخطوة الحالية التي قضت بتخفيض قيمة الدعم من 1515 ليرة للدولار (الذي يؤمّن المركزي 90 في المئة منها للشركات المستوردة للنفط) إلى 3900 ليرة، فهي موقتة ومرحلية إلى حين تبلور الخطة الشاملة لرفع الدعم المترافقة مع البطاقة التمويلية”. وفي ما يتعلّق بالدعم على الكهرباء، أكّد جابر أنّ إيقافه يدخل بعض اللبنانيين في العتمة، وفي المدى القريب ثمة حلحلة ستخفف من فاتورة الدعم على الدّولة وهو الاتفاق مع العراق الذي سيوفّر للبنان نحو مليون طن من الفيول، فهذا الاتفاق بات في مراحل متقدمة”.

ثمة تعديلات طرأت على هذه البطاقة، ففي حين كانت الخطة السابقة تستهدف نحو 750 ألف عائلة، خفّض العدد ليطاول ما يقارب 500 ألف عائلة، قال نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي إنها معرّضة للزيادة. ووفق الطرح الحالي فإنّ العائلة ستستفيد كحد أقصى من 137 دولاراً، كان مقترحاً أن تكون 93 دولاراً، شرح جابر أنّ “خلفية اللجنة الوزارية كانت توحيد الأرقام مع المشاريع التمويلية السابقة”. لكن هذه النقطة التي لاقت أخذاً ورداً، استقر القرار أن تكون 137 دولاراً حداً أقصى لكل عائلة، ويختلف التمويل حسب حجم الأسرة. ويقول جابر إن “الأموال ستعطى للبنانيين بالدولار الأميركي”. كلفة المشروع 556 مليون دولار كانت سابقاً 360 مليون دولار.

وصل دولار السوق السوداء إلى 16500 ليرة لبنانية، لتتدهور الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها التاريخية، ويجمع الخبراء على أنّه لا يوجد سقف لهذا التدهور ما لم تتخذ إجراءات جذرية من حكومة قادرة، وإذا كانت حكومة الرئيس دياب قد قررت الاكتفاء بتصريف الأعمال بالمعنى الضيّق في ظلّ أشدّ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان وربما من أشدّ ثلاث أزمات عالمية منذ العام 1850، يبقى التعويل على تشكيل حكومة إنقاذ تراعي المعايير التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام (القادة) اللبنانيين في قصر الصنوبر في بيروت، بعد انفجار 4 آب. فهل ستكون البطاقة التمويلية الحلّ الذي سينقذ اللبناني من الجوع؟ أو أنها ستكون السبب في تعميق الأزمة على حساب دعم المنظومة الحاكمة شعبوياً بعد توزيعها على الشعب وفق طريقة غير معروفة حتى الساعة؟