ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
التغيير والتقشّف الذي طال حياة اللبناني منذ أكثر من عام ونصف العام سيسري أيضاً على هندسة المنازل مستقبلاً، فتراجع قدرة المواطن الشرائية سيحتّم تشييد منازل بمساحات تتراوح ما بين 80 الى 120 متراً مربعاً في حجمها الأقصى، في عودة الى التصاميم الهندسية الأوروبية.
لحظت إحصاءات نقابة المهندسين ارتفاعا ملحوظا في عدد مساحات البناء المرخّصة بنسبة 381.38% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2021 إلى 2,359,364 متراً مربّعاً، مقارنةً مع 490,126 متراً مربّعاً في الفترة نفسها من العام السابق. فهل يمكن الاستنتاج من هذه الأرقام استئناف المطورين لنشاطهم بعدما نفد مخزون الشقق المعروضة للبيع؟
يعيد أمين سر جمعية مطوري العقار في لبنان «REDAL» مسعد فارس ارتفاع عدد مساحات البناء المرخصة الى تهافت المواطنين للحصول على رخصة بناء طالما انها لا تزال تعتمد التسعيرة الرسمية، أي وفق سعر صرف 1500 ليرة، على غرار ما يحصل ببقية معاملات الدولة التي تشهد انتعاشاً لافتاً للاستفادة من رخص الأسعار اذا ما قورنت بسعر الدولار في السوق الموازي، منها على سبيل المثال ارتفاع لافت في طلبات تسجيل الشقق، فالذين كانوا يملكون عقود بيع تقدموا بمعاملات التسجيل ودفع الرسوم وفق التسعيرة الرسمية ليحصلوا في المقابل على سنداتهم، كذلك من لدية ميراث باشَرَ في عمليات الانتقال…
وأكد فارس ان لا مشاريع بناء في الوقت الراهن لأنه وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية والمالية يصعب كثيراً حصر الكلفة، فالأسعار في تغيّر دائم وكل يوم بسعر، خصوصاً انّ سعر الدولار غير ثابت وفي حركة تصاعدية، لذا من الصعب جداً الدخول في مشاريع عقارية في هذه الأيام لأنه عند البيع لا نعرف اذا كنّا نبيع بربح او بخسارة.
ورداً على سؤال أكد فارس ان لا شقق معروضة اليوم للبيع الّا نادراً ومن يعرض يشترط ان يكون ثمنها نقداً وبالدولار، ويمكن القول انه حتى الآن لم ينطلق سوق الكاش لأنّ من سيُقدم على هذه الخطوة هم المغتربون الذين لا يملكون منزلاً في بيروت ولا يزال لديهم الايمان بهذا البلد لذا يحاولون الاستثمار في المستقبل، الا ان هؤلاء لم يقدموا بعد على مثل هذه الخطوة في ظل غياب الاستقرار السياسي.
أضاف: بالنسبة لهؤلاء أسعار الشقق في بيروت اليوم باتت زهيدة جداً فالشقة التي كان ثمنها مليون دولار أصبحت اليوم بـ 200 الف دولار نقداً، لذا الفرصة سانحة اليوم لشراء عقار بسعر جيد في حين كان يستحيل ذلك سابقاً.
وتخوّف فارس من ان تبدأ أسعار الشقق بالهبوط، إذ بعدما اقدم المواطنون خلال العام ونصف العام السابقين على شراء الشقق كمخرج لإنقاذ أموالهم العالقة في المصرف، من المرجّح ان يحتاج هؤلاء في ظل هذه الظروف الصعبة الى بيع هذه الشقق للحصول على سيولة. على غرار ما حصل عند نشوء سوليدير، بحيث سارع الجميع الى شراء اسهم في الشركة حتى وصل سعر السهم الى 150 دولاراً، لكن عندما احتاج هؤلاء الى الأموال عادوا وباعوا الأسهم فتراجع سعر السهم بشكل ملحوظ.
ووصف فارس حركة السوق العقارية اليوم بالصعبة جداً ويطغى عليها «التشبّث» من الطرفين البائع والشاري، فالبائع يفضّل المحافظة على رأسماله والاحتفاظ بالأرض خصوصاً انّ الأموال ما عادت ذات قيمة، بينما الشاري يريد إخراج أمواله من المصارف. وذكر انه خلال عام ونصف العام بيعت حوالى 60 الف شقة سكنية أدّت الى نفاد مخزون الشقق، واليوم في ظل هذه الأوضاع يُحجم المطورون عن البيع طالما لا ديون متوجبة عليهم، كذلك يخشون من استئناف نشاطهم والدخول في مشاريع سكنية لأسباب لا تتعلق فقط بالكلفة والاسعار إنما خصوصاً لأننا نسير في المجهول.
وعن أي تغيّر متوقع في الهندسات المعمارية في لبنان بعد هذه الأزمة، يقول فارس: في السابق كانت الهندسات الشبيهة بالمنازل الفرنسية غير مقبولة في لبنان لأنها عبارة عن بيوت بمساحات صغيرة او «استوديو» في وقت كانت منازلنا تحتوي على 3 الى 4 غرف نوم وغرفة للخادمة، إنما اليوم وبعد هذه الأزمة وتراجع قدرة المواطن الشرائية تتجه السوق للعودة الى الهندسات الفرنسية، متوقعاً ان لا تتجاوز مساحات البناء في المستقبل الـ80 الى الـ 120 متراً مربعاً.