راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
إنتظر المعنيون بتأليف الحكومة زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان للبنان، لعلها تحمل حلاً أو طرحاً حكومياً أو دفعاً جديداً الى التأليف، بدلاً من أن يَستبقوا الزيارة بإنجاز هذه العملية الدستورية، حؤولاً دون تراجع الدفع الفرنسي الداعم للبنان ودون العقوبات أو الإجراءات الفرنسية والأوروبية المرتقبة على المسؤولين والسياسيين المعرقلين، والتي قد تدفعهم الى التعنّت أكثر والتشبث بمواقفهم ومطالبهم، ما يؤدّي الى إغلاق الباب الحكومي الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. إلّا أنّ زيارة لودريان سارت كما لا تشتهي سُفن الأفرقاء اللبنانيين، فرفض الموفد الفرنسي التحدث في التأليف أو مقاربة تفاصيل النزاعات الداخلية الحكومية، ما وضع المعنيين مجدداً أمام المسؤولية المناطة بهم تحديداً بإنجاز ملف التأليف.
مهما كثُر الحديث عن مسببات وإيحاءات خارجية على مستوى تأليف الحكومة، لن تحصل ولادة الحكومة إلّا على أيدي اللبنانيين، بحسب ما تؤكد جهات سياسية معنية، جازمةً بأنّ العرقلة داخلية مرتبطة تحديداً برئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، بمعزل عمّا إذا كانا أو كان أحدهما لديه اعتبارات متصلة بخارجٍ ما.
وفيما تبقى الحركة الوسطية الوحيدة الساعية الى التأليف بالتوافق ومن دون كسر أحد الأطراف، وتماشياً مع روح المبادرة الفرنسية، هي حركة رئيس مجلس النواب نبيه بري، يبدو أنّ مطلب «الثلث المعطل» لا يزال المعطّل لأفكار بري وللتأليف، بحسب ما أعلنت حركة «أمل»، التي أشارت في بيان، أمس الأوّل، الى «تضييع الفرصة التي كانت مدخلاً لتجاوز الأزمة وبدء مساعي الحلّ، عبر الالتفاف على مبادرة الرئيس بري، والعودة الى طرح صيَغ تُعيدنا الى مربّع الثلث المعطل وتُبعدنا عن الوصول الى تسوية يجب أن تبقى قائمة على قاعدة المبادرة الفرنسية». هذا في مقابل تأكيد فريق عون أنّه لم يطلب ولا يطلب أي «ثلث ضامن».
لكن بمعزل عن هذه التجاذبات الداخلية، فرضت زيارة لودريان الأخيرة، شكلاً ومضموناً، واقعاً جديداً، لجهة وضع المسؤولين أمام مسؤولياتهم باجتراح الحلول الحكومية من دون الاتكال على الخارج. فغادر لودريان تاركاً السلطة والمعنيين أمام نزاعاتهم، لكي يتدبروا أمرهم حكومياً. وبالتالي، ليحدّدوا مصير البلد المسؤولين عنه.
وبالتالي خُلطت الأوراق الحكومية مجدداً، بحيث فُتح باب البحث من الصفر بالصيغ الوزارية، أمام تعذّر تأليف حكومة اختصاصيين غير حزبيين منذ أكثر من 6 أشهر. وهذا ما يعيد الأفرقاء الى الاقتراح الذي طرحه الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله على الحريري، في 18 من آذار الماضي، بتأليف حكومة تكنو – سياسية في حال تعذّر تأليف حكومة اختصاصيين غير حزبيين صرف، وهذا الطرح يتماهى مع رؤية عون أساساً للحكومة. حينها اعتُبر طرح نصرالله هذا بُعيد لقاء عون – الحريري وقبل لقاء آخر بينهما بعد أيام، نعياً لحكومة الاختصاصيين.
وفي حين تعتبر جهات سياسية أنّ كلّ ما يجري من عرقلة للتأليف، هدفه الوصول الى حكومة سياسية أو أقلّه حكومة تكنو – سياسية تتماشى مع «حزب الله» الذي لا تلائمه حكومة الاختصاصيين الصَرف، توضح مصادر من «الثنائي الشيعي» أنّ طرح نصرالله هذا لم يكن جديداً أو فردياً، فحتى بري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط من دُعاة التسوية، ويؤيدان تأليف حكومة تكنو – سياسية، لأنّ المرحلة تتطلب تعاون الجميع مع الحريري وتحمُّلهم معاً مسؤولية الإنقاذ، خصوصاً أنّ هناك قرارات مهمة على الحكومة الجديدة اتخاذها، وإذا كانت مُدعّمة سياسياً، ستتمكّن من الإنجاز بطريقة فعّالة وسريعة أكثر.
وتقول أوساط قريبة من عون: «لا شك في أنّ الأوضاع العامة تفرض تحصين أي حكومة ستأتي، لكن هذا لا يعني أن تكون حكومة سياسية مئة في المئة، بل سبق أن طُرحت حكومة اختصاصيين مع تغطية سياسية بـ5 أو 6 وزراء، وإنّ الوضع وصل الى مرحلة يتطلّب حكومة قوية، ولكي تكون قوية يجب أن تكون محصّنة، ولكي تكون محصّنة يجب أن تحصل على تغطية سياسية أساسية في مجلس النواب، فهناك إجراءات وإصلاحات وخطوات صعبة يجب أن تتخذها، وإذا لم تمتلك الغطاء السياسي، لن تتمكّن من العمل». في المقابل يبقى الحريري الوحيد حتى الآن، المتمسّك بحكومة اختصاصيين غير حزبيين مَحض، رافضاً لأي مشاركة سياسية مباشرةً فيها، وذلك انطلاقاً ممّا يطلبه المجتمع الدولي الذي هو من سيدعم هذه الحكومة ويساعدها لاحقاً والتزاماً بالمبادرة الفرنسية، وفق ما يقول فريقه.
في المقابل، ترى جهات سياسية أنّ روح المبادرة الفرنسية غير متعلّقة بشكل الحكومة بمقدار ما هي مرتبطة بالإصلاحات الواجب على هذه الحكومة أن تجريها، وأنّ التعاطي مع أي حكومة سيجري وفق التزامها هذه الإصلاحات وليس وفق شكلها، خصوصاً أنّ خروقات عدة سبق أن طاولت المبادرة الفرنسية ولم يسحب الفرنسيون مبادرتهم أو وعدهم بالدعم بعد التأليف، معتبرةً أنّ عدم التدخل الفرنسي أخيراً في مسار التأليف وتفاصيله يفتح المجال أمام الأفرقاء بالوصول الى حكومة يتوافق عليها اللبنانيون وتلائمهم.
كذلك تشير أوساط عون الى أنّ «فكرة الحكومة السياسية لا يطرحها أحد، بل أن تكون حكومة اختصاصيين محصّنة سياسياً». وتسأل: «إذا اتفق اللبنانيون عليها لماذا سيعترض الفرنسيون فيما أنّهم يقولون إنّ التأليف شأن داخلي؟». وتوضح أنّ «روح المبادرة الفرنسية تبقى موجودة من خلال وزراء اختصاصيين غير حزبيين، لكن تأمين غطاء سياسي لها ليس خطأ في هذه المرحلة حيث البلد على كف عفريت، فإذا في وضع كهذا لم يضع جميع الأطراف أيديهم بأيدي بعض متى سيقفون معاً؟»
أمّا أوساط الحريري فتقرّ، بعد تعذُّر التأليف، بأنّ البلد قد يصل الى مرحلة تفرض تأليف حكومة تكنو – سياسية أو حتى سياسية بالكامل، وتقول: «حينها يكون الحريري أمام خيارين: إمّا القبول بحكومة كهذه أو الإعتذار عن التأليف».