أشار السفير البريطاني لدى لبنان كريس رامبلينغ في حديث لـصحيفة “اندبندنت عربية” الى “أننا نرى اليوم هذا المسار المقلق في لبنان، وهو يستمر بالحصول، فلبنان يعاني من مشكلات سياسية وأمنية واقتصادية جدية، ولكن التراجع الجدي والمقلق اليوم هو على المحور الاقتصادي والاجتماعي، حيث النمو بات انكماشياً وارتفعت معدلات الفقر والبطالة وإذا نظرت إلى لبنان كدولة ووطن، فأنا أرى أن هذا الأمر يؤثر في شكل مباشر في كل فرد من أفراد المجتمع”.
وأضاف في مقابلة مع الكاتبة جاكلين مبارك :”لقد كنا واضحين جداً في رسائلنا بأن الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها في لبنان أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى إذا كان للبنان أن يستجيب لهذه الأزمة الاقتصادية الحادة والانضمام إلى مسار الانتعاش. ونتوقع من الحكومة وصندوق النقد الدولي الاتفاق على إطار واضح قبل البرنامج. ومع ذلك، يبقى أن التمويل الخارجي لن يتدفق، ولن يكون منتجاً للشعب اللبناني، في غياب تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة من قبل السلطات اللبنانية”.
ويرى رامبلينغ أن السبيل الوحيد لوقف هذا التراجع هو إرساء الإصلاحات المطلوبة داخلياً قبل الخارج فالمجتمع الدولي يقول هذا الكلام منذ زمن طويل، ونحن، في المملكة، مع التزامنا الكامل دعم لبنان، نردد هذا الكلام، وموقفنا كأسرة دولية واضح ومستمرون به، ولكن لا يمكن الاستمرار من دون إصلاحات، وهذا ما أدى إلى ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وما دفع الناس إلى النزول إلى الشارع
ويرحب رامبلينغ بقرار الحكومة طلب الدعم من صندوق النقد الدولي، فهذا تقدم جيد في رأيه، وخطوة مهم إذ وضعت لها هدفاً، يؤمل أن تستمر فيه، ولكن لا بد من أن يترافق مع الخطوات الإصلاحية.
ويقول: “نحن نشجع كافة الأفرقاء اللبنانيين على تقديم المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار آخر، وهذا هو الأهم. كذلك على القطاعات الخاصة والمصرفية والمجتمع المدني وغيرها أن تنظر إلى هذه المصلحة لأن البلد لن يخرج من أزمته طالما هناك فريق ينظر إلى مصلحته الخاصة، وإلا سنظل نرى مزيداً من التراجع”.
وعن الخيارات التي طرحها الأمين العام لـ”حزب الله” لجهة التوجه شرقاً في تعاملات لبنان الاقتصادية، والتهديد بالرد على العقوبات بالقتل، قال “لا أعرف ماذا وراء كلامه، لكن على اللاعبين المحليين أن يتفادوا هذا النمط من التخاطب، وهذا النوع من المعادلات. في نظره، الصورة الإقليمية حاضرة دائماً على المشهد اللبناني في كلامه… ولبنان للأسف في حفرة لن يخرج منها إذا لم ينظر اللبنانيون إلى مصلحتهم الوطنية وإذا لم يتحقق هذا الأمر، فإن الوضع سيستمر بالتفاقم ولا أستطيع التنبؤ بأي اتجاه ستسير لكن بالتأكيد المشكلات القائمة لم يعد بالإمكان حلها من دون قيادة جديدة قادرة على مواجهة التحديات”.
ولا يفوت رامبلينغ الفرصة لتجديد التأكيد أن الدعم مهم جداً لمؤسسات الدولة والجيش والقوى الأمنية والمؤسسات التعليمية، كاشفاً عن البرنامج القائم مع وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية لدعم المجتمعات المضيفة، فضلاً عن المساعدات المقدمة للاجئين السوريين.
ويرى أن هناك الكثير من العمل المطلوب إنجازه لحل المشكلات ووحدها الحكومة هي القادرة على معالجتها.
ولكن هل تدعم المملكة الحكومة؟، يشير إلى عدة لقاءات ومشاورات عقدها مع رئيس الحكومة حسان دياب وفريقه وفريق السفارة تناولت مجمل الأوضاع، لافتاً إلى أن ثمة أموراً نتفق معها عليها وأمور أخرى لا نوافق عليها لكن لبنان بلد نريد أن نستمر بالتعاون معه، وسنستمر في العمل مع حكومته لنرى إلى أين يمكن الوصول، ولكننا واضحون في شأن ما نوافق وما لا نوافق عليه وإذا كان لبنان يريد فعلاً استعادة مسار التعافي والازدهار، فهناك الكثير لنقوم به معاً.
وعن الضغط الأميركي المتزايد على لبنان من خلال العقوبات وآخرها قانون قيصر، يؤكد الدبلوماسي البريطاني أن “هذا الموضوع تناولته المملكة المتحدة مع الحلفاء وثمة أمور نتفق عليها، واُخرى لا تحظى بالتوافق بل نختلف في مقاربتنا لها مع شركائنا الدوليين ونحن لا نفرض عقوبات مثل الولايات المتحدة ولكننا نعمل معاً في أمور عدة”.
وأضاف: “نحن ملتزمون دعم لبنان كما فعلنا دائماً على مر العقود، حيث بلغ دعمنا العام الماضي أكثر من 200 مليون دولار أميركي في مجالات عدة ولدعم التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية. والقانون الجديد يطال سوريا وليس لبنان، كما أن الولايات المتحدة تعبر دائماً عن دعمها للدولة والشعب اللبناني ولست في صدد شرح السياسة الأميركية ولكن نحن التزامنا واضح ونتكامل مع شركائنا الغربيين أو في دول الخليج، والجميع حريص على أن يجد لبنان طريقه”.
هل يتفق رامبلينغ مع القراءة القائلة بأن تحميل “حزب الله” مسؤولية خرق القرار الدولي 1701 يرمي إلى توسيع صلاحيات القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل”، ودفع الحكومة اللبنانية إلى تبنيه خلافاً لقرار الحزب؟ يجيب بأن “القوات الدولية تقوم بعمل مهم جداً، وتتولى تطبيق القرارات الأممية، والمملكة المتحدة ملتزمة تطبيق هذه القرارات ولكننا نتعامل مع الوقائع وليس مع الفرضيات أو القراءات المختلفة، ويجب أن نبحث دائماً عما يمكن القيام به لدعم مهمات هذه القوات”.
وأضاف:” صحيح أن المنطقة تتمتع بالاستقرار ولكن هذا لا يلغي الضغوط التي تتعرض لها والمجتمع الدولي يجب أن يستمر في بذل الجهود من أجل الحفاظ على الاستقرار والمحادثات قائمة دائماً على هذا المستوى في مجلس الأمن، والاختلافات في الرأي موجودة ولكن الأهم الاعتراف بأن هناك عدم استقرار يجب أن يعالج”.
ألا يعيق تمدد نفوذ “حزب الله” على مستوى السلطة، رئاسة وحكومة، حصول لبنان على الدعم الدولي لصون استقراره السياسي والأمني، ودعمه اقتصادياً، وهل الدعم الاقتصادي مشروط حصراً بالإصلاحات أو أيضاً بالموقف السياسي للبنان من خارج نفوذ الحزب؟ يؤكد رامبلينغ أن المملكة المتحدة تدعم لبنان وشعبه.
ويقول “في العام الماضي اتخذ قرار حظر “حزب الله” بمجمله ليشمل الجناح السياسي وهذا جزء مهم من سياستنا وأحد أسباب القرار هو أننا رأينا أنهم يعملون ولعدة سنوات في جميع أنحاء المنطقة، في مخالفة مباشرة لسياسة النأي بالنفس، وزعزعة لاستقرار المنطقة وهم قالوا بأنفسهم أن ليس هناك تمييزاً وهذا يزعزع استقرار البلد أيضاً”.