سيتحلّق جزء من القادة اللبنانيين قبل ظهر اليوم حول طاولة تحترم تداعيات «الكورونا» ليقولوا كلاماً ملّه اللبنانيون عن «العيش المشترك» ورفض «الفتنة المذهبية». وان لامس البيان الختامي بعضاً من اوجاع اللبنانيين ومآسيهم المستعصية على الحلّ، فإنّ لا خلاف على انّ شعور معظم المجتمعين لا يختلف عمّا يختلج صدور المقاطعين. فالمرارة واحدة عند الحديث عن مرحلة ما بعد لقاء اليوم، بهواجسها ومخاوفها. كيف ولماذا؟
لا تترقّب المراجع السياسية والحزبية اي جديد من شكل ومضمون ونتائج «اللقاء الوطني» المزمع عقده اليوم في بعبدا. فعنصر المفاجأة مفقود الى ادنى درجات التوقعات. ذلك، وعلى رغم ما يمكن ان تحمله بعض الكلمات اللافتة التي ستخرق «آحادية خطاب» المجتمعين، فإنّ مسودة البيان الختامي الذي اعدّته دوائر القصر الجمهوري، بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، له عنوان واحد، كشفت عنه رسالته الى المدعوين قبل اسبوع، والتي لفتت الى ضرورة السعي الى «وقف الفتنة والحفاظ على السلم الأهلي»، عقب التطورات الأمنية المقلقة التي شهدتها بيروت وضواحيها وطرابلس قبل أسبوعين.
لا يتوقف الأمر على ما سيكون عليه لقاء اليوم بمن حضر وكيفما حضروا، فأقصى أماني المنظمين تبخرّت، وباتوا راضين بالحد الأدنى منها. والخوف كل الخوف، بأنّه، وإن جاء بما يليق بمقام من جمعهم، فإنّ من الصعب ان ينالوا ثناء من غير اتباع الإنجيل والقرآن دون غيرهما من الكتب غير الدينية، لما سيحفل به البيان من «وصايا» و»آيات» حكيمة لا تغني فقيراً ولا تضيف دولاراً واحداً الى السوق المتعطش الى المليارات لتستقر حياة اللبنانيين.
والأدهى من كل ذلك، فقد عكست المواقف التي سبقت اللقاء معادلة لا نقاش فيها. فالمسؤولون يعيشون في وادٍ والمواطنون في وادٍ آخر. الأولون يتفرجون على الأزمات المتناسلة والمتشابكة، وعاجزون عن حلّ اي منها، ولا سيما منها تلك التي تقضّ مضاجع اللبنانيين من كل المناطق والفئات والطوائف، فيما اكثرية اللبنانيين تترقّب عدّادات الأسعار وترصد فقدان ما اعتادت على امتلاكه من مواد غذائية وكماليات، او انّها باتت بعيدة عنها ومكلفة الى حدود لا تُقاس بكل ما شهدته البلاد من قبل.
على هذه الخلفيات، لا يتوقف المراقبون امام ما هو متوقع من لقاء اليوم، بمقدار ما يترقبون مرحلة ما بعده، من دون اعتباره محطة اساسية او مفصلية في الحياة السياسية. فهو لن يغيّر في واقع الأمور شيئاً. ذلك انّ تأكيد اجماع اللبنانيين على رفض الفتنة المذهبية والإصرار على تجنّبها او درء مخاطرها على الأقل، هو عمل يومي لمعظمهم، ولا يحتاجون الى مؤتمر يجدّد لهم «فحوصهم»، بمقدار ما هم في حاجة الى ان تبقى العيون الأمنية المكلّفة أمن البلد، ساهرة على تقصّي محاولات اشعالها على يد فئات ومجموعات باتت اسماؤها على لوائحها ترصد حراكها بهدف منعها من تحقيق مبتغاها في اي لحظة من لحظات التخلّي.
ويضيف المراقبون، انّ ما يثير المخاوف والهواجس يتعلّق بما سيتسبّب به لقاء اليوم من انعكاسات في اكثر من شارع، وخصوصاً في الشارع السنّي تحديداً. ففي اعتقاد كثر من المراقبين الحياديين وبعض سعاة الخير، انّه كان من الضروري قراءة مقاطعة رؤساء الحكومات السابقين بلا «استخفاف»، وبعيون أخرى وبدرجة اعلى من الأهمية. فالموضوع لا يتصل بعدد المدعوين والمعتذرين، من دون أحجامهم في بيئتهم الطائفية، بمقدار ما كان ضرورياً لكسر الجليد القائم بين بعبدا وهذه المرجعيات السياسية والوطنية، وتدارك النتائج المترتبة على زيادة الشرخ عميقاً في ما بينهم وبمن يمثلون من قواعدهم، على اساس انّ ذلك لا ينعكس على هؤلاء فحسب. فما هو متوقع، ان يسيء الى موقع رئيس الحكومة ان بلغ مرحلة «التعرّي» من شارعه ومحيطه، بمعزل عمّا تقرّ به الصلاحيات وما يقول به الدستور.
والى هذه المعطيات المتصلة بفئة لبنانية وازنة، كان يمكن النظر عند احتساب حجم المقاطعين ومواقعهم، التلفت الى الساحة المسيحية وما تعيشه من مخاض ناجم عن قرار اتخذه العهد منذ البداية، باقتسام السلطة والمواقع بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، مع الاحتفاظ بحصة متواضعة لتيار «المرده»، بإرادة غير مسيحية فرضتها التحالفات الإقليمية، ومدى ارتباط البعض منهم بالنظام السوري وبضغوط مباشرة من الحليف الشيعي المتمثل بـ «حزب الله» وحليف الحليف في تلك المرحلة. ولا ينسى أحد انّ هذا الواقع لم يدم طويلاً قبل ان يدخل العهد نصفه الثاني، فساد منطق التفرّد عقب سقوط «تفاهم معراب» ودفنه السريع.
وبعيداً من كل هذه التوقعات، يبقى الأهم متوقفاً عند ما يمكن ان يعكسه اللقاء على الساحة الوطنية. فإنّ اعتبار اوساط بعبدا، انّ اللقاء لا يحتاج الى «ميثاقية» المشاركة الطائفية، ولا يجب ان يكون مناسبة لتكريس عرف يُبنى على سابقة تسبّبت بها مقاطعة مكون مذهبي لدعوة من رئاسة الجمهورية، يشير الى كمّ من الأخطاء المرتكبة. وان كان مستحيلاً تصحيح الخطأ الذي ارتُكب عن قصد او غير قصد، بتجاهل توجيه دعوة الى الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني، ولو كان «وحيداً من فئته»، فإنّ حضوره قد يُغني اي لقاء، واستبدال دعوة من غابوا بآخرين يشكّل فضيحة كبرى لغياب بدائلهم. كما انّه كان من الأفضل تجاوب اصحاب الدعوة مع المبادرات التي اطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من بكركي، والرئيس السابق للجمهورية الشيخ امين الجميل من بكفيا، ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل من الصيفي، لتوسيع جدول اعمال اللقاء، ليتناول ما يعني المعضلات الكبرى، وتوافر مهلة إضافية من اجل وثيقة تؤرّخ بين مرحلتين وتحاكي مرحلة «ما بعد بعد لقاء الخميس». فالاولويات تفرض إداءً مغايراً لما يحصل.
في اي حال، يختم المراقبون بالقول والاعتراف معاً، بأنّ رهان اكثرية اللبنانيين على اجتماعات خلية الأزمة المكلّفة الشؤون المالية وسعر صرف الدولار، بات اكبر من الرهان على لقاء بعبدا اليوم. وليس في ذلك مذمة او انتقاصاً من اهمية المواقع وأدوار المؤسسات المعطلة او الفاشلة. فأي حل يوفّر وقف التقنين بالعملات الأجنبية وضخّها في الاسواق والمصارف، له الأولوية عند اللبنانيين، كذلك بالنسبة الى لجم الاسعار ومنع الاحتكار، وهو انجاز اكبر من اي انجاز آخر. ولكن دون هذه الأماني، جبال من العقبات. فمن اين يمكن توفير الدولار في ظلّ الوضع السياسي الذي انقاد اليه لبنان بإرادة فئة منه، قادت الجميع فرادى وجماعات الى حيث نحن اليوم؟
جورج شاهين- الجمهورية