ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الصادق(ع) أحد أصحابه وهو ابن جندب حين قال له: “يا ابن جندب بلّغ معاشرَ شيعتِنا وقلْ لهم لا تَذهَبَنَّ بكم المذاهب، فوالله لا تُنالُ ولايتُنا إلا بالورعِ والاجتهادِ في الدنيا ومواساة الإخوان في الله، وليس من شيعتنا من يظلم الناس”.. هذه هي وصية الإمام لكل لشيعته، وبها أراد لهم أن يعرفوا بأنهم حتى يكونوا شيعة لا بد أن يكونوا الورعين عن معاصي الله المجتهدين في أمور الدنيا، أن لا يكونوا بطالين لاهين عابثين وأن يحبوا لإخوانهم في الله ما يحبون لأنفسهم ويكرهون لهم ما يكرهون، وأن لا يظلموا الناس في أموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم حتى لو اختلفوا معهم في أديانهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسية وفي مواقفهم…. ومتى كانوا كذلك فسيكونون كما أراد لهم أئمتهم عندما كانوا يقولون لهم: “كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح”، وستكونون أقدر على مواجهة التحديات.. والبداية من لبنان حيث لا يزال الحصول على الدولار هاجس اللبنانيين وهو ما تعبر عنه طوابيرهم التي تقف في صفوف طويلة من أجل الحصول على النزر اليسير منه لتأمين احتياجاتهم وللحفاظ على قيمة أموالهم، لأنهم ما عادوا يثقون بعملتهم الوطنية، ومن المؤسف أن كثيراً ممن يسعون إلى الحصول على الدولار أو جلهم كانوا قد أودعوا الدولارات التي يملكونها في البنوك لكنهم باتوا غير قادرين على الحصول عليها.. وفي هذا الوقت، لم تؤد كل الوسائل التي تم اللجوء إليها إلى لجم ارتفاع سعر الدولار رغم كل الجهود التي بذلت، وبقي على ارتفاعه في مقابل العملة الوطنية، لأن الإجراءات المتخذة لم تزد عن كونها من قبيل المسكنات غير القابلة للاستمرار.. ويبقى الحل هو باستعادة ثقة المواطنين بالدولة، فما دامت الثقة معدومة فسيبقى المواطنون يتعاملون بالدولار أو سيسعون لتخزينه لقابل أيامهم، وآليات هذه الاستعادة واضحة ولسنا بحاجة إلى أن نكررها وهي تشمل تحفيز الاقتصاد الإنتاجي ومكافحة الفساد ووقف المحاصصات واختيار الأكفاء في التعيينات واستعادة الأموال المنهوبة وإصلاح النظام القضائي وإعادة النظر في السياسة المالية ــ النقدية.. وفي هذا الاتجاه، تستمر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل تأمين موارد للخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة.. وقد أصبح واضحاً أن هذه المفاوضات لن تؤدي إلى نتائج سريعة أو إلى حل يخرج البلد من أزماته، وذلك يعود في جانب منه إلى تلكؤ الحكومة اللبنانية في تنفيذ الإجراءات التي عليها القيام بها ولاعتبارات تتعلق بالصندوق نفسه وبالشروط التي يفرضها.. ومن هنا، فإننا نعيد دعوة الحكومة إلى ما كنا قد قلناه سابقاً من ضرورة عدم الاكتفاء بهذا الخيار واعتماد البدائل المتاحة التي تبعد هذا الوطن عن كأسه المرة، فمن حق لبنان أن ينفتح على الشرق والغرب، وكل الدول التي يمكن أن تساعده لحل أزماته.. وفي الوقت نفسه، فإننا نجدد دعوتنا إلى القوى السياسية إلى التكاتف والوحدة في مواجهة التحديات التي يتعرض لها البلد سواء على الصعيد الاقتصادي أو لمواجهة التوتر المذهبي والطائفي، واختيار الأسلوب الأنسب لمواجهة المرحلة القادمة والصعبة.. وهنا ننوه بأي مبادرات حصلت أو ستحصل، وإن كنا نريدها أن لا تكون لقاءات مجاملات تنتهي بانتهائها، بل أن تكون لقاءات جادة تدرس الأمور بالعمق وبعيداً من أي حسابات طائفية أو مذهبية أو خاصة.. إن البلد أحوج ما يكون إلى الأيدي الممدودة بعضها إلى بعض لإخراجه من أزماته وتعزيز أواصر الوحدة في ما بينها التي ينبغي أن تكون الرأسمال الأساس لهذا البلد، والتي كانت مصدر قوته سابقاً ومكنته من تجاوز التحديات وستبقى كذلك في المستقبل إن قرر المسؤولون ذلك ونخشى أن لا قرار لهم حتى الآن.. من ناحية أخرى، بدأت الإدارة الأميركية تطبيق قانون قيصر الذي يعاقب كل من يتعامل مع النظام السوري، وهو البعيد كل البعد عن الأعراف والقوانين التي تحكم الدول، فليس من حق أي دولة مهما كبرت وعلت وعظمت قدراتها أن تعاقب دولة أخرى أو تحاصرها وهي عضو في الأمم المتحدة وبعيداً من آليات القانون الدولي وعن العدالة والإنسانية.. فأمريكا في هذا القانون هي حكمت وهي تنفذ وحتى بدون أن تسمح لسوريا أن تدافع عن نفسها.. وإذا كانت الذريعة حماية المدنيين فلماذا لم يشرع مثل هذا القانون في مواقع أخرى في العالم حصلت فيها انتهاكات حقيقية خطيرة، فكم من مجازر ارتكبت في فلسطين أو في لبنان أو في غيرهما من دول العالم. وقد أصبح واضحاً مدى تداعيات هذا القانون على العديد من الدول ومنها لبنان، نظراً إلى علاقة لبنان بسوريا والشؤون المتعددة والمشتركة بينهما من اقتصادية وغيرها.. ولكون سوريا تمثل الرئة التي يتنفس منها لبنان حيث هي المنفذ البري الوحيد للناس وللكثير من المشاريع المشتركة بين البلدين ما يستدعي من الدولة اللبنانية دراسة كل السبل التي تقي لبنان من أي تداعيات قد تحصل..