كلير شكر -نداء الوطن
وصفها رئيس الحكومة حسان دياب في خطابه المطول، بوضوح مطلق: “كانت ليلة الانقلاب”. صحيح أنه أرفق عبارته بانتفاضة 17 تشرين الأول وكأنها المقصودة بهذا الانقلاب، لكنه عملياً قصد حكومته. ليكمل مطمئناً “الانقلابيين”: مجدداً، سقطت المحاولة.
غاص أكثر في تفاصيل “الحبكة المؤامراتية” ملمحاً إلى أنه “لم تنجح كل الاجتماعات، السرية والعلنية، والاتفاقات فوق الطاولة وتحتها، وأوامر العمليات الداخلية والمشتركة، في إنجاح خطة الإطاحة بورشة اكتشاف الفساد”. هكذا، اختصر مشهد الأيام الأخيرة بمشروع منظّم للاطاحة بحكومته، ظهرت أذرعته التنفيذية على أكثر من مستوى: الشارع العابث بالأمن، اللعب بسعر الصرف تارة عبر الشائعات وطوراً عبر “شفط” كميات الدولار من سوق التداول. ما حصل بالنسبة اليه لم يكن بريئاً أو مجرّد رد فعل عفوي أخرج الناس الناقمين على الوضعين المعيشي والاجتماعي إلى ساحات الاعتراض… وإنما مسلسل معروف الأهداف.
وفق المؤيدين للحكومة، شهدت الأيام القليلة الماضية رزمة أحداث أثار تسلسلها الشكّ في مراميها: الشائعات التي سرت حول استقالة رئيس الحكومة، ارتفاع سعر الدولار المشبوه ونزول مجموعات حزبية إلى الشارع لصبّ الزيت على نار غضب الناس. وما بين هذه الحلقات المترابطة، اشتغلت الكواليس السياسية بسيناريوات ما بعد حسّان دياب.
يشير هؤلاء إلى أنّ أبرز قطب الحياكة السياسية، شهدها بيت الوسط خلال لقاء رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مع رؤساء الحكومات السابقين. هذه المرة، نمي إلى مسامع بعض مؤيدي الحكومة أنّ اللقاء تطرق وللمرة الأولى منذ ولادة الحكومة، إلى المربع الذي يليها. سئل الحريري عما اذا كان يرغب بالعودة من جديد إلى السراي، فكان الجواب سلبياً، ثمّ جرى استعراض بعض الأسماء، وقد توقف المجتمعون عند اسم سمير الجسر. النقطة الأهم التي تسللت من تشققات ذلك الاجتماع، هو أنّ هناك بحثاً جدياً في مرحلة ما بعد حسان دياب.
بالتزامن، كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد أنهى لتوه مشاوراته بين عين التينة وبيت الوسط، فيما كان نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي يصدح في برية المطالبة بتغيير حكومي، قال عنه إنّ ظروفه لم تنضج بعد، فيما معروف أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كان ولا يزال من أبرز الداعين لعودة الحريري إلى السراي… فيما انبرت مجموعة من النواب تغني على ليل “التغيير الفجائي!”
وتفرّع السؤال لدى المعنيين إلى احتمالين: هل تطيير نائب الحاكم محمد بعاصيري هو الذي أشعل فتيل الفوضى خصوصاً وأنّ الأميركيين أبلغوا عبر الكثير من القنوات تمسكهم ببقائه في مركزه أو أقله نقله إلى لجنة الرقابة على المصارف؟ أم أنّ المطلوب حماية سلامة في ظل الجوّ المحقون الذي كان يطالب بالإطاحة به؟ (مع العلم أنّ قرار الاقالة غير متخذ).
يشير المؤيدون إلى أنّ هذه العوامل مجتمعة، زادت من قناعة دياب أنّ هناك مخططاً للانقلاب على حكومته، تلاقت مصالح المشاركين في الحركة الانقلابية عند تقاطع محلي – خارجي فيما كان سعر الدولار أهمّ “عيدان ثقابها”. يقولون إنّ الظروف السياسية لم تكن متاحة خلال الساعات الماضية لتفصيل حكومة جديدة، لكن الأكيد أنّ بعض الأطراف السياسية تصرّف على قاعدة “فليسقط حسان دياب”، ومن بعدها لكل حادث حديث. بمعنى أنّه يصار من بعدها إلى تأمين شبكة تفاهمات تعيد تأليف حكومة جديدة، طالما أنّ النواة موجودة.
لكن رياح تقاطع المصالح لم تجر كما تشتهي السفن، فانتهت المحاولة إلى “صفر إصابة” في ملعب الحكومة، أقله حتى الآن، كما أوحى رئيس الحكومة في خطابه الذي وصفه المطلعون على موقفه بأنّه الأكثر تصعيداً والمطبوع بالنبرة الأكثر قوة. بالنسبة إليهم هو خطاب تأسيسي يكاد يوازي بيان الحكومة في سقوفه المرتفعة. لكنه بالنتيجة وضع دياب أمام حدّين لا ثالث رمادياً لهما: إما يقرن تهديده بإجراءات تنفيذية تحوّل الحبر إلى أعمال جدية، وإما يكون قد أشهر المسدس على رأسه، وقدّم للانقلابيين خدمة العمر، ليحرق نفسه بنفسه.
هكذا، يؤكد المطلعون على موقف رئيس الحكومة أنّ الأخير يدرك تماماً أنّ لا خيار أمامه سوى التقدم نحو الأمام عبر خطوات عملية تثبت جدية حكومته أمام الرأي العام وإرادتها في العمل لتجاوز كل المعوقات، مؤكدين أنّ تلميحه إلى النية بكشف “الوثائق والوقائع” التي تفضح “غرف البنيان الأسود” ليس من باب التهويل أبداً، وإنما هي شهادة موثقة منه بالصوت والصورة لما ستحمله الأيام المقبلة، وإلا فإنّ الناس ستحاكمه على “قنبلته الدخانية”، خصوصاً وأنّ تحقيقات جارية على أكثر من صعيد ومستوى وستخرج للعلن في حينه… ويفترض أن يكون أول غيث ترجمة الخطاب، خلال الساعات القليلة المقبلة.
في النصف الثاني من الخطاب، توجّه رئيس الحكومة إلى اللبنانيين من باب طمأنتهم الى أنّ ودائعهم بأمان وذلك لوقف باب المزايدة المفتوح بوجهه لا سيما من جهة السلطة التشريعية التي تتعاطى مع ودائع الناس على أنّها أم الصبي الحامي لمدخرات عمرهم، وكأن الحكومة هي المرتكب بحق هذه الودائع وهي التي صرفتها طوال عقود من الزمن.
أما الرسالة الايجابية الثانية التي وجهها للناس فتتصل بما سماه “الظلم الذي تمارسه الدولة بحق أبنائها”، حيث يقول المطلعون على موقفه إنّه بصدد اتخاذ اجراءات عملية في هذا الشأن، سترى النور خلال المرحلة المقبلة، وهو لم يتطرق إلى المسألة من باب الشكوى أو التباكي على الدولة وانما من باب التمهيد لما سيقدم عليه. فهل سيصمد حسان دياب لينقذ نفسه بنفسه؟ أم ما حصل هو بروفا لسيناريو معلّق بانتظار وضع اللمسات الأخيرة على تفاهماته السياسية؟