كلير شكر -نداء الوطن
تتوالى الاهتزازات الارتدادية من حول حكومة حسّان دياب، لتزيد من هشاشتها وتشققاتها البنيوية. ما كاد يمرّ قطوع يوم السبت بكل ما حمل من إنذارات سيئة الذكر وإشارات تقاس على مقياس البركان الاجتماعي المرشح للانفجار في أي لحظة، حتّى حلّ تهديد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بمقاطعة جلسة مجلس الوزراء “لأن هذه التعيينات صورة وقحة لمحاصصة المصالح الطائفية والمذهبية والشخصية”، معلناً “عدم المشاركة في الجلسة علماً انه عُرض علينا أن نكون جزءاً منها فرفضنا انسجاماً مع موقفنا الرافض لتعيينات من دون معيار أو آلية”.
تقف التعيينات بشقّيها المالي والاداري، عصا غليظة في دولاب الحكومة التي يحتار رئيسها من أين يكسرها: ينادي بآلية علمية تقي حكومته شرّ المحاصصة المقيتة، فإذ بشركائه الحكوميين يقفون سدّاً منيعاً أمام أي محاولة لتجاوز الحسابات المصلحية والفئوية للقوى القابضة على الحكومة. وحين يعود إلى القواعد التقليدية البالية التي لفظها الرأي العام في مشهدية 17 تشرين الأول، يخرج عليه من يطالبه بالعودة إلى المعايير العلمية.
اذاً، تعلق الحكومة بين “شاقوفي” ما يفترض أن تقوم به ترجمةً لتطلعات الناس والرأي العام، وبين ما تريده مكوناتها من القوى السياسية في لحظة أُعلن فيها رسمياً عن ردّ رئاسة الجمهورية للتشكيلات القضائية، مع ملاحظات رئيس الجمهورية ميشال عون الذي اعتبر أنّ “إعادة النظر في المناقلات أمر متاح ومتروك لتقدير مجلس القضاء الأعلى”.
رغم ذلك، يجزم أحد المتابعين من القوى السياسية أنّ هذه الهزات لن تدفع الحكومة إلى الوقوع، لسبب بسيط هو أنّ من يسعى إلى وراثتها من الطبقة السياسية ليس جاهزاً لتلك اللحظة الصعبة. فكل تلك المعارضة التي تشنّ بوجه الجالسين على كراسي السلطة التنفيذية، لا تعبّر أبداً عن رغبة أصحابها في ازاحة أصحاب الدولة والمعالي للجلوس مكانهم، لأنّهم غير مزعوجين في هذه اللحظات العصيبة من البقاء بعيداً عن واجهة النار التي تأكل الأخضر واليابس. من حسن حظهم أنّ هناك من يتلقى الضربات عنهم ومن يواجه غضب الناس عنهم، فيما هؤلاء تحولوا معارضة لحكومة تحاول اخراج البلد من أزمة هم مسؤولون عنها.
ويؤكد أن تأليف حكومة جديدة مسار طويل، “لا نملك ترف اجرائه في هذه الظروف الصعبة، ولا امكانية لتضييع الوقت، ولذا قد يتحول الضغط كله لناحية تصويب عمل الحكومة لا ضربها بالصميم”.
ولهذا يؤكد المطلعون على حراك رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أنّ طبق التغيير الحكومي لم يكن أبداً جزءاً من مداولات زعيم المختارة مع مضيفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا مع ضيفه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وفق هؤلاء، ما حصل يوم السبت الماضي وما قد يحصل نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، هو أشد صعوبة وتعقيداً وأهمية من الاستحقاق الحكومي.
على الهامش، أثبت جنبلاط وفق المطلعين على موقفه، أنّه في اللحظات المصيرية، هو أشبه بصمام الأمان القادر على التحرك في جميع الاتجاهات، رغم الاصطفافات الحاصلة متجاوزاً حواجز الخلافات القائمة مع بعض القوى السياسية، ولا يتردّد في قيادة أي مبادرة من شأنها أن تساعد على لجم حفلة الجنون الحاصلة والتي قد تودي بالبلاد الى المجهول.
يشيرون إلى أنّه رغم كل محاولات تحجيم زعامة المختارة، سواء عبر قانون الانتخابات أو التطويق الحكومي أو حتى التعيينات الادارية والأمنية، يتعاملون معه كحاجة ماسة لا يمكن تجاوزها في اللحظات المصيرية. بالأمس، توجه جنبلاط إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون بناء على طلب الأخير، فالحاجة إلى شراكته في الجبل غير قابلة للتعويض، فيما التعيينات معلّقة إلى حين يمنحهم رئيس “الاشتراكي” كلمته مع أنّه يجلس على صفوف المعارضة.
وها هو يوم السبت يقود مبادرة يتجاوز فيها كل العوائق السياسية لأنّ وضع البلد لا يحتمل ترف التنظير السياسي عن بُعد… بدليل أنّه كان من أوائل الداعين لفتح باب التفاوض مع صندوق النقد الدولي، بعد مراعاة حساسيات “حزب الله” لأنه يعرف جيداً أنّ الصندوق معبر الزامي وشرّ لا بدّ منه.
وفق المطلعين، فإن حركة يوم السبت شكلت منعطفاً أساسياً في شبكة العلاقات الداخلية، وتحديداً على الساحة الاسلامية، بدليل ما أنتجته في ساعاتها الأولى وما ستنتجه خلال الأيام المقبلة. إذ تمّ التوافق بين هذه القوى، وتحديداً حركة “أمل” و”تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، بالتنسيق طبعاً مع “حزب الله” بواسطة الرئيس بري الذي وضعه في تفاصيل التنسيق والمشاورات، على تنقية مناخ الشوارع المحسوبة على هذه الأحزاب لاعادة بثّ روح التواصل بين قياداتها وناسها، من خلال تعزيز التماسك الاجتماعي والاقتصادي لا سيما في مناطق التلاقي.
يشير هؤلاء، إلى أنّ الرباعي غاص في عمق الأزمة الاجتماعية الحاصلة، والتي أثبتت التطورات أنّ الفقر يولّد التطرف والعصبية المذهبية التي ان لم يوضع لها حدّ، فقد تطيح بالجميع من دون استثناء، ويستحيل على أي حزب من بعدها إمساك أرضه، مهما كان حجم نفوذه وقوته التنظيمية. ولهذا سجّل الرئيس بري انزعاجه الشديد من المجموعات التي أثارت الاشكالات في بعض المناطق.
ويلفتون إلى أنّ هذا التفاهم سيترجم خلال المرحلة المقبلة على شاكلة تنسيق اكثر على المستوى السياسي والحزبي والاجتماعي والمعيشي، للحؤول دون تكرار مشاهد يوم السبت ودون تفلت الأوضاع الاجتماعية، لا سيما في مناطق التلاقي والأشدّ فقراً التي قد تشكل بيئة حاضنة للأفكار المتطرفة. وقد ضمّ جنبلاط رئيس “تيار المردة” الى دائرة المشاورات إذ أوفد مستشاره رامي الريس الى بنشعي للقاء فرنجية ووضعه في الأجواء.