هيام القصيفي-الاخبار
بسط حزب الله حمايته مجدداً على الحكومة بعدما مرت بمرحلة ذبذبة نتيجة تعثّر أدائها، ما طرح إمكان تغييرها. يوم السبت الفائت «سقطت» الحكومة تحت ضربات الحجارة التي رميت والرصاص الذي أطلق، بعدما أظهرت أنها فقدت المبادرة والغطاء السياسي، فهرعت القيادات السياسية الأساسية خارج السرايا الحكومية، إلى لمّ الوضع بعد التجييش المذهبي والطائفي الذي عاد بقوة الى الشارع. من لم يعش مرحلة 1975 ــــ 1976، ولا يعرف سوى ما كُتب عنها، لم يتلمس خطورة الفتنة التي وقعت. لكن الأخطر مما جرى، محاولة لفلفته من دون تشريحه، لا بل الدفع نحو استعادة الحياة شبه الطبيعية والقفز فوق خطر النار تحت الرماد، واستعادة دورة الحياة السياسية وكأن شيئاً لم يكن.
رواية أطراف سياسيين تتحدث عن رسالة وجّهت الى القوى الأساسية بأن حدود المعارضة لسلاح حزب الله هي في الحد الأقصى أداء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أي المعارضة من ضمن حدود مرسومة بدقة ومن دون تغيير قواعد اللعبة، وهو ما التقطه جنبلاط يوم انفجر الشارع طائفياً، كما الرئيس سعد الحريري أيضاً، اللذان تلقّفا كرة النار التي كادت تشعل البلد، واستعادا تهدئة داخلية من خلال سحب كل ذرائع التفجير الداخلي، مهما كانت هوية الذين نقلوا الفتنة من منطقة الى أخرى. لكن من التقطه في شكل أوضح ليس معارضو السلاح من القوى المسيحية، كالقوات اللبنانية والكتائب فحسب، إنما أيضاً التيار الوطني الحر.
هو المعني في شكل أساسي بالرسائل وإن لم يكن موجوداً في الشارع. ففي المحصّلة خلافات الأسابيع الأخيرة والرسائل الحادة المتبادلة بين قاعدتَي الحزب والتيار وامتعاض الحزب من أداء مسؤولين في التيار والانفتاح غير المشروط على الأميركيين، لها ارتداداتها ولها نتيجتها العملية. روايات عدة ميدانية وأمنية أعطيت لأحداث السبت، لكن يبقى للسياسة أن تقول كلمتها، بعدما وصلت التحذيرات من مغبّة محاولة البعض الإفادة من توقيت دولي ومحلي للقيام بخطوات غير محسوبة النتائج.
في الأسابيع الأخيرة، ارتفع منسوب الكلام عن تغيير حكومي، ولم يكن حزب الله بعيداً عن هذا الجو. جرت اتصالات غير مباشرة مع الرئيس سعد الحريري وغيره لجسّ النبض، كانت الأجواء تشي ببعض التجاوب، لجهة معرفة مدى ما يقبله الحزب من تشكيلة حكومية تراعي بعض ما كان الحريري قد طلبه عندما استقال في أواخر العام الماضي. حتى إن الجو الذي ساد أوحى بأن الحزب سيضغط لتخفيف جوّ الاحتقان بين الحريري والتيار الوطني الحر بغية التوصل الى تشكيلة توازن بين المطلوب سياسياً لحكومة السنتين الأخيرتين من عمر العهد، وبين الدافع الاقتصادي الذي كان سبب سقوط حكومة الحريري، علماً بأن كل الاتصالات كانت تتحدث عن خطوات هادئة من دون استعجال.
لكن ما إن بدأت إشارات التحرك الخارجي في ملفات الأمن والسياسة والحكومة، وبدعم داخلي، حتى تفرملت المحاولات المحلية التي بنيت على قاعدة تعثّر الحكومة في أدائها اليومي وعدم مواءمتها مع الأزمة السياسية. إضافة الى أداء بعض الوزراء بين فشل أو تكبير بعضهم أو بعضهنّ «الحجر» في تعاملهم مع ملفات حساسة، ما أثار حفيظة قوى من الصف الأول. فالدفع الخارجي، في توقيت متزامن مع قانون قيصر وشروط صندوق النقد الدولي وتداعيات اللجوء إليه والسعي الى تغيير مهمات القوات الدولية، والتلويح بعقوبات جديدة على حزب الله وحلفائه، أثار نقزة الذين كانوا يحاولون تغيير المسار الحكومي.
وجاءت أحداث السبت، رغم هزالة الأداء الحكومي عموماً والوزيرين المختصين بالأمن وظهور الحاجة الى حكومة سياسية فاعلة، لتغير اتجاه الحوارات المحلية. أعاد الحزب الحسابات نحو حماية الحكومة الراهنة وعدم الذهاب في الوقت الراهن الى خيارات أخرى، ومن المفترض أن يسهّل لدياب أكثر مما فعل معه حتى الآن، ما يعطي الحكومة مهلة إضافية لتجديد دورها، أقلّه حتى نهاية الانتخابات الرئاسية الأميركية، وخصوصاً مع التوقعات بأن تشهد هذه المرحلة الفاصلة ضغطاً على الخط الأميركي الإيراني. وهذه الحماية ستعيد ترتيب أوراق القوى السياسية، ولا سيما الحليفة للحزب، والضغط عليها لتعديل قواعد اشتباكها الداخلي، على طاولة مجلس الوزراء وخارجه. لأن انفجار الخلافات في ملفّ التعيينات وتعثّر العمل في ملفات الكهرباء والمحروقات والاقتصاد والقضاء والملاحقات، ضاعف من مبررات فشل الحكومة في أداء وظيفتها.
وهذا الأمر لم يعد عاملاً مساعداً للحزب في إدارة المرحلة الراهنة بكل ما تحمل من حساسيات إقليمة ودولية. إلا أن المشكلة التي انكشفت في هذه التقاطعات أن خصوم الحزب أكثر تجاوباً في تليين مواقفهم والتريث في تجاوز الخطوط الحمر وتهيّب الانفجار الكبير. أما حلفاء الحزب فلهم حسابات أخرى، وليس بالضرورة أن يكونوا مطواعين في ملاقاته الى منتصف الطريق، حكومياً كما في ملفات داخلية متشعبة، لأن المصالح الخاصة والرئاسية تطغى على حسابات الحزب الاستراتيجية.