أجرت قناة إكسترا نيوز المصرية حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة هذا نصه:
س: إلى لبنان الذي دعا فيه الرئيس ميشال عون الى الوحدة الوطنية ونبذ الفتنة الطائفية، وذلك بعد اندلاع اعمال عنف في انحاء متفرقة من العاصمة اللبنانية بين أنصار تنتمي لمجموعة من الأحزاب. وقال عون ان اللبنانيين في أمس الحاجة الى حل الخلافات السياسية والمسارعة الى العمل معا من اجل مواجهة الازمات المتتالية، ذلك في الوقت الذي أفادت فيه وسائل اعلام محلية بسماع دوي إطلاق نار في بعض احياء وضواحي بيروت اثناء اشتباكات بين أنصار أطراف سياسية مختلفة. عبر الهاتف من العاصمة اللبنانية بيروت ينضم الينا الأستاذ فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق. دولة الرئيس اهلا وسهلا بحضرتك من المسؤول عن نبش في ارث قديم قد يضايق كل اللبنانيين بل هو يضايق كل لبناني؟
ج: أودّ بداية أن أشير إلى الكلام الجيد الذي صدر عن رئيس الجمهورية ميشال عون بالدعوة الى التهدئة والوحدة الوطنية ونبذ الفرقة والفتنة الطائفية، وهو عملياً مثل الكلام الذي قاله رئيس الحكومة السيد حسان دياب وأيضاً عدد من المرجعيات السياسية مثل الرؤساء: نبيه بري وسعد الحريري ونجيب ميقاتي وغيرهم من السياسيين وأيضاً مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان والمفتي عبد الأمير قبلان وكثير غيرهم. كلهم دعوا إلى الحرص على الوحدة الوطنية وإلى عدم اثارة الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية. وهذا كله كلام جيد ولكنه لم يعد كافياً. إنّ هذه الأفكار والمثل والقيم أصبح يفترض بالجميع ان يحترموها فعلاً وليس قولاً فقط لا بل وأن يمارسوها يومياً. لقد أصبح مطلوباً من هذه القيادات والمرجعيات السياسية والحزبية والدينية أن تتصرف بدرجة عالية من التبصر في علاقاتها مع باقي الجماعات السياسية والدينية. وذلك يكون بالدعوة الى التشديد على مناصريهم بعدم اللجوء إلى التلفظ بمثل هذه الشعارات البائسة التي تفتعل الفرقة افتعالاً وتحض على الفتنة بين اللبنانيين. هذا هو التصرف العاقل الذي يجب ان يصار إلى التقيد به والداعي إلى الوحدة بين اللبنانيين. وهو عملياً أشدّ ما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها. إذ أن لبنان يعاني حالياً من فترة شديدة الصعوبة سياسيا ووطنيا واقتصاديا ومعيشيا وبالتالي فإنّ وضعه قد ازدادت هشاشته وأصبح دقيقاً ولا يحتمل أي تصرفات غير مسؤولة من هنا أو من هناك. كما أنه لم يعد يستطيع ان يتحمل أو يتصدى لتصرفات يتقصدها البعض لإثارة وإشعال الفتن في لبنان.
س: دولة الرئيس يعني أنّ لبنان يعيش واقعاً اقتصادياً ومعيشياً ضيقاً هذه مفهومة ولها اماراتها ومشاهدتها لكن لماذا تقول ان لبنان يعيش واقعا سياسيا إذا كان هناك فريقا من لون واحد وحكومة من لون واحد هي التي تقود لبنان؟
ج: الحكومة الحالية تمثل حكومة اللون الواحد، وهي عملياً ومن خلال ممارساتها وإدارتها للحكم وللشأن العام تأخذ لبنان الى مسارات لا تؤدي ولا تساعد على حلحلة مشكلاته، بل إلى تعميقها والى تفاقمها. وهذه المشكلات هي وطنية وسياسية واقتصادية ومالية ومعيشية.
لأعطيكَ مثلاً على ذلك، فما زلنا نجد ان فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الحكومة ما زالا يستعصيان عن القيام بالإصلاحات الكثيرة المطلوبة. فلبنان مازال يعاني وعلى مدى سنوات من استعصاء مستمر وعدم تجاوب لا بل وتقصد من العديدين من السياسيين من أجل عدم القيام بالإصلاحات الإدارية والإصلاحات السياسية والاقتصادية والمالية المطلوبة. وها هو لبنان اليوم يحصد نتيجة هذا الاستعصاء والتلكؤ والامتناع عن اجراء الإصلاحات الضرورية في الوقت المناسب. وهذا ما يضطر اللبنانيين الآن إلى مواجهة تفاقم هذه المشكلات وانعكاسات ذلك وتداعياته على الأوضاع العامة في لبنان. وبالتالي إلى اضطرار اللبنانيين على تحمل كلفة أكبر وبكثير من اجل القيام بتلك الإصلاحات المطلوبة، والتي أصبحت الآن أكثر إلحاحاً، وذلك بالمقارنة مع كلفتها فيما لو تمت تلك الإصلاحات في السابق. وكذلك ان يتحمل اللبنانيون بالتالي أيضاً أوجاعاً أكبر بكثير مما كان من الممكن لهم أن يتحملوها لو قاموا بتلك الإصلاحات منذ سنوات.
س: الدكتور حسان دياب يرد على ذلك دولة الرئيس بأنه: لماذا نحن نتحمل كلفة وندفع الفاتورة كاملة والتي جاءت نتيجة أخطاء متراكمة لعقود؟
ج: دعني أقول لك ان الدرس الأول في العمل السياسي الذي يجب ان يتعلمه كل مسؤول سياسي هو أن الحكم استمرار. وبالتالي وفي المبدأ فإن من أولى واجبات ومسؤوليات العهد والحكومة ورئيسها العمل على التصدي للمشكلات وبالتالي القيام بالمعالجات اللازمة. والا لماذا أتوا إلى الحكم وهم كانوا شديدي الحرص على تولي هذه المسؤولية.
صحيح أنّ الرئيس حسان دياب عمره في السلطة ما يزيد قليلا عن 100 يوم ولكنه يعرف هذه المشكلات، وإلاّ لماذا أقدم على قبول هذه المهمة وقَبِل بتحمل المسؤولية.
أما بالنسبة لرئيس الجمهورية فهو في موقع السلطة المباشرة منذ حوالي الأربع سنوات كرئيس للجمهورية. لكنه كان وكمسؤول أول في التيار الوطني الحر، وهو التيار الذي كان الطرف الأكبر والأساس في ممارسة السلطة اللبنانية والنفوذ. وذلك منذ أكثر من 12 سنة. هذا الفريق السياسي شكّل وعلى مدى سنوات طويلة عاملاً أساسياً في الاستعصاء الحاصل وفي معارضة الإصلاحات. لذلك، فإنّ المقولة التي يردّدها الرئيس حسان دياب هي غير صحيحة.
من جهة أخرى، فإنّ الطرف الذي تمثله هذه الحكومة، وهو الذي اتى بها وحملها إلى السلطة ومكّنها من أن تحمل المسؤولية الحكومية هي المجموعة التي يمثلها رئيس الجمهورية والمؤلفة من التيار الوطني الحر ومن حزب الله وحركة أمل. لقد كان يفترض بأعضاء هذه الحكومة وهم الذيم جاؤوا إلى الحكومة على أنهم تكنوقراط أي من خبراء وحياديون تبين بعد ذلك وفعلياً ان كل واحد من أولئك الوزراء يمثل طرفا سياسيا من تلك الأحزاب الثلاثة تمثيلاً كاملاً، وهم يتقيدون بكافة التعليمات التي تصدر إليهم من قبل هذه الأحزاب الثلاثة.
انظر ماذا جرى منذ عدة أيام في مجلس الوزراء. فلقد اتخذ مجلس الوزراء قرارا في جلسة عقدت في السراي الحكومي وبرئاسة رئيس الوزراء من اجل القيام بواحدة من تلك الإصلاحات المطلوبة أي بموضوع الكهرباء وتحديداً بمعمل سلعاتا الحكومة برئيسها وأعضائها بأكثريتهم. وبعد أن اخذوا قراراً بهذا الشأن، إذا برئيس الجمهورية يستدعيهم مباشرة بعد ذلك الاجتماع ويطلب منهم تغيير موقفهم وإلغاء ذلك القرار.
أنا استشهد بهذه الحادثة للدلالة على الدور الذي تلعبه تلك الأحزاب في ممارسة السلطة ومنذ سنوات طويلة. ولذلك فإنه لا أحد يستطيع ان يقبل بهذه الأعذار والتبريرات بأن: “هذا ارث وما خلّونا نشتغل”. هذا الموضوع يجب ان ننتهي منه. فهم في السلطة لأكثر من نصف الفترة التي يقولون عنها ثلاثون سنة ماضية، أي أنهم مسؤولون وعلى الأقل مسؤولية مباشرة عن أكثر من خمسة عشرة سنة ولاسيما خلال السنوات العشر الماضية، وهي الفترة التي تفاقمت فيه الأمور الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والنقدية على الشكل الذي نراه الآن.
س: دولة الرئيس، المتظاهرون غاضبون في الشارع، هؤلاء هم الجمهور السياسي لما يعرف او ما كان يعرف بالـ14 آذار او هؤلاء هم اللبنانيون؟
ج: هم فعلياً كذلك وهم يمثلون قطاعا كبيرا من اللبنانيين ولا سيما من الشباب الذين يشعرون بأنهم مهمَّشون ولا يُستمعُ إليهم، وهم أصبحوا يواجهون نتائج تعقد هذه المشكلات وتفاقمها، والتي انفجرت مؤخراً، ولاسيما بعد السابع عشر من شهر أكتوبر الماضي.
صحيح أنّ فريقاً كبيراً ممن كانوا محسوبين على فريق الـ14 من آذار هم جزء أساسي من شباب هذه الانتفاضة. لكن هؤلاء الشباب فاض بهم وأصبحوا يطالبون بالتغيير وبضرورة العودة إلى احترام الدستور والقوانين ومصلحة الدولة اللبنانية لكي تتمكن الدولة من بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية. وها هم يشهدون على التدهور المتزايد للأوضاع من جوانبها كافة وعلى أكثر من صعيد.
الآن وبعد هذا التدهور الكبير الذي حصل على الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية، فإنّ الأمور أصبحت تستدعي من الرئيس والحكومة مواجهة الحقيقة بشجاعة ومسؤولية وليس الاستمرار في إضاعة الوقت. الأمر المستغرب أننا ما زلنا نضيع وقتا ثميناً وعلى الأقل منذ ثمانية أشهر وما زلنا في حالة تساؤل هل نريد فعلاً ان نبحث أوضاعنا مع صندوق النقد الدولي او لا نبحث.
الحقيقة المرة هو أنه كان بإمكان لبنان تجنب الذهاب الى صندوق النقد الدولي فيما لو قام بتنفيذ تلك الإصلاحات المطلوبة والتي كان يجب ان تتم في نهاية التسعينات وبعد مؤتمرات باريس الثلاثة في الأعوام 2001 و2002 و2007، وبعدها وفي أكثر من مناسبة جرى تطبيقها. ولكن المشكلة أن الاستعصاءات والعناد استمرا وهما مازالا مستمرين وأيضاً في تفاقم متزايد إلى الآن. ياللأسف نحن مضطرون ومن أجل الخروج من هذه المآزق المتكاثرة أن نتحمل كلفة أعلى ووجعاً أكبر.
س: دولة الرئيس، هل هذه الإصلاحات التي تنادي بها حضرتك وينادي بها اغلب اللبنانيين، هل هذه ستكون بديل عن توفير سيولة تضخ في شرايين الاقتصاد اللبناني؟
ج: الموضوع الأول، توفير السيولة المالية والنقدية التي لبنان بحاجة إليها ومن الواجب ضخّها في شرايين الاقتصاد الوطني أمر أصبح ضروري ومستعجل جداً. ولكن المفتاح الأساس لتحقيق ذلك هو في استعادة الثقة. وهذا هو الأمر الذي لم تلحظه الخطة التي أعدّتها الحكومة الحالية وهو فكرة استعادة الثقة.
هناك مشكلة كبرى تتعلق بالانحسار الكبير الحاصل في الثقة بين اللبنانيين وبين الحكومة وما بين اللبنانيين وبين مختلف الفئات السياسية في لبنان.
إنّه وليستعيد الاقتصاد اللبناني حيويته وفعاليته، وللمالية العامة سلامتها، فإنّ ذلك يقضي على الحكومة وعلى رئيس الجمهورية ان يعملا كل واحد من طرفه بأن يضع موضوع استعادة الثقة موضع التنفيذ والمتابعة الجدية واليومية.
ولكن هذا لا يتم أو يكفي ان يقول العهد والحكومة ذلك ويطلبا من الناس أن تثق بهم. الناس تثق بهم كرئيس للجمهورية وكرئيس للحكومة وكأحزاب مشاركة في الحكومة وكطقم سياسي من خلال القرارات التي يتخذونها ويعملون على تنفيذها بجدية وحيادية، وكذلك على أساس من الممارسات التي يتصرفون على أساسها.
حتى الآن رئيس الجمهورية يستعصي على توقيع المراسيم المتعلقة بالتشكيلات القضائية. توقيع هذه التشكيلات القضائية هو بالفعل رسالة للبنانيين ولأشقائهم ولأصدقائهم في العالم بأنّ الحكم والحكومة يقومان بخطوة عملية باتجاه التأكيد على تحييد وتعزيز استقلالية القضاء.
ليس هذا فقط فهناك أمثلة كثيرة أخرى. فمثلاً رئيس الجمهورية والحكومة ما زالا يستعصيان على القيام بتنفيذ ما يتعلق بالإصلاح في قطاع أساسي الذي هو مسؤول عن أكثر من 50% مما أصبح عليه مجموع الدين العام كما وصل اليه الآن. وهو قطاع الكهرباء. والحكومة مازالت تمتنع عن القيام بهذا الأمر وللدلالة على ذلك فإنّ التيار الوطني الحر مازال ممسكاً بهذه الحقيبة الوزارية وبملف الكهرباء منذ أكثر من اثني عشر عاماً وفي الحد الأدنى. وهو مازال يمتنع عن تطبيق القوانين الصادرة في موضوع الكهرباء، وكذلك وعلى سبيل المثال القوانين الصادرة في قطاع الاتصالات وقطاع الطيران المدني على سبيل المثال. وبالتالي فهم المسؤولون المباشرين عن هذا التردي الحاصل ولا يمكن ان يحملوا هذه المسؤولية لغيرهم.
س: دولة الرئيس، قناعاتي ربما لا توافق من اتخاذ هذه الإجراءات وان اليد مغلولة لان هناك قيودا مفروضة عليهم من بعض الأشخاص الحاكمين؟
ج: يا سيدي المعارضة تقول للحكومة وللأحزاب التي تنتمي إليها هذه الحكومة: “أنه وبدلا من التلهي بالكلام قوموا باتخاذ القرارات”. هم عليهم أن يبادروا ويأخذوا القرارات اللازمة والمواطنون يريدون منهم ان يعتمدوا تلك القرارات الإصلاحية. وهذا هو الطريق الوحيد من أجل استعادة هذه الثقة المفقودة ما بين المواطنين والدولة اللبنانية وبينهم وبين الحكومة اللبنانية. وأكرر لك هنا أنه لا يمكن ان تستعاد هذه الثقة من خلال استمرار الكلام او من خلال القاء اللوم على الآخرين او من خلال القيام بمحاولات بائسة لحرف الانتباه عن المشكلات الأساسية، وذلك باختلاق مشكلات أخرى للإلهاء وتؤدي عن قصد أو غير قصد إلى زيادة حدّة التشنج وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية. وهذا في الواقع يفسر حقيقة ما حصل في اليومين الماضيين من أعمال عنف وتهجمات مشينة تتقصّد استعادة احداث اليمة في تاريخنا العربي والإسلامي قبل أربعة عشر قرناً لا فائدة منها على الاطلاق. سؤالي هنا: ما معنى ان يصار الى محاولة شتم السيدة عائشة رضي الله عنها ومحاولة قول بعض المتظاهرين اننا شيعة شيعة وما هو المبرر لمحاولات التهجم على مناطق أخرى في ضاحية بيروت الجنوبية وتكسير السيارات وغيرها من التعديات.
المشكلات التي نواجهها هي مشكلات وطنية تمسّ جميع اللبنانيين المنتمين لكل الأطياف السياسية والطائفية والمذهبية ولا داعي ولا منفعة من افتعال مشكلات تؤدي إلى اشعال الفتن بل هناك مخاطر كبيرة من العودة إلى إثارة تلك النعرات. الذين يفعلونها يبدو انهم موجهون ومدفوعون من قبل جهات تريد أن تحرف انتباه اللبنانيين وان تأخذهم بعيداً عن معالجة مشكلاتهم الحقيقية ونحو الانشغال ببعضهم بعضاً وبمشكلات مستجدة ليس لها علاقة بحل المشكلات الوطنية والسياسية والاقتصادية المتفاقمة. وهذه المجموعات وكأنها تريد أن تقول للبنانيين أنه لا حلّ لقضية استعادة الدولة لسلطتها ولدورها وهيبتها، وان من يريد ان يطرح هذه المسائل على بساط البحث الهادئ والهادف سيكون عرضة للتخوين وأنه سترفع في وجهه أسلحة إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية.
س: دولة الرئيس هناك جمهور الفريق الحاكم في لبنان الآن باعتباره تقريبا أصبح فريقا واحداً. جمهور هذا الفريق يرى ان جمهور الـ 14 من آذار عاملا أساسيا من اعمال الإعاقة والتعطيل وصرف الانتباه عن أداء الحكومة وان هناك رغبة في تأجيج النيران واشعالها خلف حكومة حسان دياب؟
ج: واضح أن هذه الأطراف التي تثير النعرات الطائفية والمذهبية وتقف في وجه استعادة الدولة اللبنانية لدورها وسلطتها يحرص عليها بشكل مباشر أو غير مباشر فريق موجود في الحكم والحكومة. وهذا يمكن تبينه من الأماكن التي اتى منها أولئك المشاغبين، ومن العبارات التي تلفظوا بها، ومن المواقف التي قاموا بها وعلى الأقل، على مدى كل هذه الفترة التي نشط فيها هذا الحراك الوطني أي منذ 17 من أكتوبر الماضي. وهذه المجموعة معروفة لمن تنتمي ومن تمثل.
المطلوب من جميع هذه القيادات السياسية والحزبية والدينية ان تضغط على تلك المجموعات من أجل أن تتبصر بتصرفاتها. لانّ ما تقوم به هو لعب بالنار، ولعب بالنسيج الوطني اللبناني، ولعب أيضا بهذه الصيغة المثلى التي يقوم عليها لبنان وهي صيغة العيش المشترك ما بين اللبنانيين على كافة تنوعاتهم الطائفية والمذهبية والعرقية.
هناك حقيقة ساطعة أنه لم يعد متاحا أو ممكناً الاستمرار في تهميش الدولة اللبنانية التي هي لكل اللبنانيين وإلى أي فئة انتموا وفي أي منطقة جغرافية ولجميع اللبنانيين المقيمين في لبنان أو في الخارج. وأنه لا يمكن الاستمرار في إبقاء الدولة اللبنانية بأن لا تكون هي صاحبة القرار وصاحبة السلطة الوحيدة في لبنان، وان يكون لديها الحق الحصري في الاحتفاظ بالسلاح وفي استعمال السلاح عند الاقتضاء. وليس مقبولاً أن تستمر الدولة اللبنانية هي الطرف الأضعف في علاقتها مع الأحزاب السياسية والطائفية والميلشياوية. وليس مقبولاً أن تستمر هذه المجموعات في الاستقواء بهذه السلاح من اجل فرض قرارها ورأيها وشروطها على الدولة اللبنانية وعلى باقي الأطراف السياسية اللبنانية في لبنان.
المطلوب الآن ليس فقط الاكتفاء بالكلام الذي شاهدناه وسمعناه من ادانة لتلك التصرفات المشينة، وهذا أمر طيب وجيد ولكن هذا لم يعد كافياً. فأولئك الذين قاموا بتلك الأعمال ليسوا أشباحاً، فالأجهزة العسكرية والأمنية تعرفهم واحداً واحداً وعليها واجب القبض عليهم والتحقيق معهم ومعاقبتهم.
لكنه وبالإضافة إلى ذلك فإنه يتوجب على جميع الفئات السياسية ان يتميز خطابها وأداؤها في العمل الجاد من أجل الحفاظ على هذه الصيغة الوطنية للبنان وبالتالي العمل من أجل تمكين لبنان من ان يستعيد عافيته الاقتصادية والسياسية.
ما أودّه أن يكون واضحاً أنه لا يمكن ان تستعاد الثقة بهذا الجو الذي أصبحنا عليه الان من انهيار للثقة الداخلية والخارجية. وبالتالي فإنه لا يمكن للبنان إقناع صندوق النقد الدولي بمساعدته ولا يمكن له ان يقنع اشقاؤه العرب ولا ان يقنع اصدقاؤه في العالم من أجل تقديم الدعم له. إنّ الولوج إلى هذا الفضاء الجديد حيث يستطيع لبنان أن يبدأ بمعالجة مشكلاته المتفاقمة لا يكون عملياً إلاّ من خلال الأداء الصحيح والمبادرة إلى البدء بإجراء الإصلاحات والدخول من هذا الباب الإلزامي الذي هو صندوق النقد الدولي الذي يمكن معه البدء بتصويب بوصلة الإصلاحات.
هناك عمل علينا ان نقوم به نحن في لبنان وهذه تقع مسؤوليته على الحكم والحكومة وعلى الفرقاء السياسيين، وذلك بالعمل على استعادة السكينة الوطنية من خلال معالجة الخلل الفاضح في التوازن الداخلي والخلل الفاضح في التوازن في السياسة الخارجية للبنان. ويكون ذلك بالعودة إلى احترام الدستور واتفاق الطائف والقوانين اللبنانية ومصلحة الدولة اللبنانية عملاً وليس قولاً فقط.
س: دولة الرئيس، بمناسبة الأصدقاء العرب الجفاء إذا جاز التعبير او إذا كانت المفردة معبرة بشكل دقيقي، هذا الجفاء العربي اللبناني من بين تأثيراته وتداعياته ان أتت حكومة بلون واحد وهذا الفريق الذي يقود لبنان او ان هذا الفريق هو الذي كان من نتائجه حدوث هذا البعد بين لبنان والعرب؟
ج: صحيح ان هذا الامر هو الذي أسهم في إيجاد هذه الفرقة بين لبنان وبين اشقائه العرب وبين لبنان وأصدقائه في العالم. الحقيقة أنّ ذلك أدى إلى مشكلات خطيرة أصبح يعاني منها لبنان على أكثر من صعيد مالي واقتصادي ونقدي وحياتي ومعيشي. ولبنان لم يعد يستطيع ان يتحمل هذا الاختطاف المستمر للدولة اللبنانية. والمشكلة أنّ هناك من يحاول ان يستعمل هذه القوة الفائضة أيضاً من اجل ان يتدخل في شؤون بلدان عربية عديدة: سوريا والعراق واليمن وليبيا وفي غيرها مما يزيد في تعميق الاحتقان الداخلي ويزيد في عمق الهوّة التي تفصل بين لبنان وأشقائه العرب وبينه وبين أصدقائه في العالم. هذا الامر لم يعد مقبولاً ولم يعد ممكناً.
لبنان يجري تحميله أكثر مما يستطيع ان يتحمل، لبنان ليس بمقدوره أن يتحمل ما لا طاقة له به. صحيح ان لبنان وخلال الفترة الماضية تحمل أعباء حروب هائلة شنّتها عليه إسرائيل. هناك أكثر من خمسة حروب واجتياحات خاضتها إسرائيل ضد لبنان منذ العام 1978 حتى الآن. وما زال لبنان يتحمل ما لا يستطيع تحمله جراء ذلك ومن جراء أوضاع المنطقة ومشكلاتها وماذا جرى منذ العام 2011، ولكن وأيضاً من جراء الاستعصاء لدى سياسييه عن القيام بالإصلاحات الضرورية لمختلف أوضاعه. وبالتالي الآن مطلوب من الجميع ان يدرك ان هناك قدرة للبنان على الاحتمال ولا يمكن الاستمرار في تخطيها. هذا القدر من الضغط على لبنان يؤدي به إلى الانكسار مع ما يعنيه ذلك من مشكلات وطنية واقتصادية ومالية ومعيشية خطيرة.
لبنان لا يستطيع لا باقتصاده ولا بطبيعة تنوعه ولا بظروفه الصعبة التي يمر بها ان يحتمل هذا القدر من الضغوط. هناك قرار اتخذته الحكومات اللبنانية الماضية ومنها الحكومات التي تألفت خلال رئاسة الرئيس عون، وذلك يتعلق بموضوع ما يسمى النأي بالنفس. هناك كلام كثير يقال بشأن التزام سياسة النأي بالنفس عن الصراعات العربية، ولكن وياللأسف فإنّ الممارسة الفعلية هي ممارسة مختلفة عن ذلك لا بل هي مناقضة لها. فكيف للبنانيين أن يتفهموا ذلك ويقبلوه. وكيف لأشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم أن يتفهموه ويقبلوه.
س: أخيراً دولة الرئيس وهذا سؤالي الأخير لحضرتك وهو مرتبط بالدعم العربي يقولون بعض المتابعين ان الدعم العربي كان مائعا أكثر مما كان ينبغي ولم يكن دعما جادا وحقيقيا كدعم بعض الأطراف الإقليمية لدعم وكلائهم في لبنان؟ هل هذا النقد في إطار التقييم الشامل، يبدو دقيقا؟
ج: في ضوء ما ذكرته آنفاً بشأن ما ينبغي القيام به في لبنان من قبل اللبنانيين ومن قبل الحكومة والفئات السياسية المختلفة، فإنه يجب على الجميع ولاسيما نحن في لبنان أن ندرك بأننا جميعاً أصبحنا نعيش ظروفا مختلفة في عالمنا العربي. ظروفا مستجدة لها علاقة باستمرار الانقسامات العربية. وهي انقسامات ليست جديدة لكنها تعمقت. وظروفاً اقتصادية ومالية مستجدة بسبب انخفاض أسعار النفط إلى حدود خطيرة، وكذلك ظروفا مستجدة لها تداعياتها الخطيرة أيضاً بسبب جائحة الكورونا. وبالتالي فإنّ على اللبنانيين ان يتفهموا هذه الظروف الجديدة وعليهم ان يتلاءموا مع طبيعة هذه التغيرات والتحولات. انني وبالتالي أرى أنه من الاجدى باللبنانيين وبالسياسيين اللبنانيين ان يدركوا عِظَم هذه التحولات والمتغيرات وفداحة الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية ويمر بها العالم. وأنت ترى العالم كم هو مشغول بأحواله المستجدة الحافلة بالمصاعب.
أنا لا أقول هذا الكلام لإعفاء الأشقاء العرب ولا الدول الصديقة من تحمل مسؤولياتها تجاه لبنان. فالكل يعرف ان لبنان تحمل وعلى مدى الخمسين سنة الماضية ما لا يحتمل، وبالتالي فهو دفع الفاتورة مضاعفة من اجل الدفاع عن القضايا العربية وهو لم يمنن أحداً بذلك. وهناك ضرورة بأن تبادر الدول العربية والعالم اجمع لمساعدة لبنان في التغلب على مصاعبه. ولكنه مطلوب بذات الوقت من الحكم والحكومة اللبنانية وكما تقول الآية الكريمة: “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. “ما حدا بساعدنا إذا نحنا ما ساعدنا حالنا”. You have to stand up to be counted. إذا لم يبادر اللبنانيون إلى العودة إلى الحضن العربي وما لم يجر استعادة السكينة في لبنان واستعادة التوازن الداخلي والتوازن الخارجي المفقودين فإنه ما من إمكانية للعالم لان يمد الأشقاء والأصدقاء يد العون للبنان. علينا جميعاً في لبنان أن ندرك حقيقة أساسية وهي أنّ جميع الإصلاحات المطلوبة اقتصادياً ومالياً ونقدياً وقطاعياً وإدارياً، وعلى أهميتها وحتمية القيام بها، لم تعد كافية وهي لن تكون كافية لوحدها. اذ أصبح من الضروري بل ويفترض بنا نحن اللبنانيين إلى معالجة الأمور السياسية لكي يتحقق العلاج الصحيح للمشكلات المستفحلة في لبنان، كذلك يجب علينا أن نتفهم كل هذه الظروف المستجدة ويجب على إخواننا واشقائنا وأصدقائنا في العالم ان يتفهموا واقعنا. نحن علينا ان نبادر فوراً إلى اعتماد المقاربة الصحيحة لحل مشكلاتنا من اجل ان يتمكن لبنان من التغلب عليها.
هناك باعتقادي إمكانية للبنان ان يتخطى مشكلاته وان يتغلب عليها؟ نعم، لكن هذا الامر يتطلب جهدا وقرارات أساسية من لبنان، من جانب رئيس الجمهورية والحكومة والفرقاء السياسيين من جانب أول، كذلك أيضاً ومن جانب آخر من قبل اشقائه وأصدقائه في العالم.