غادة حلاوي -نداء الوطن
كثر ممن شاهدوا مقابلة الوزيرالسابق سليمان فرنجية المتلفزة عبر برنامج “صار الوقت” مع الزميل مرسال غانم، خرجوا بانطباع سلبي عنها. منهم من انتقد هجومه على باسيل إلى حد وصف كلامه بالـ “باسيلوفوبيا”، ومنهم من لم ترق له مقاربته الاقتصادية التي تأرجحت، بين الموافقة على خيار اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وتسهيل المهمة على حاكم مصرف لبنان وبين انتقادها، وبينهما ارتفعت أصوات تستنكر “ذكوريته” لدى حديثه عن القاضية غادة عون.
وعلى الرغم من كلّ هذه الانتقادات، خرجت المقابلة بأقلّ من المتوقع، إذ كان أغلب الظن ان رئيس تيار “المردة” سيكمل من حيث توقف في مؤتمره الصحافي الأخير، وسيصعّد هجومه على العهد والحكومة. لكن كان واضحاً من سياق ما قاله أنه تجنّب رفع السقف في كثير من الملفات، فبدا مهادناً وغلب الشق التقني على الشق السياسي من حديثه، وهذا مردّه وفق مقرّبين الى اتصالات تولاها الحلفاء لثنيه عن تصعيد لهجته. لكن هذه المهادنة لم تنسحب على باسيل، الذي شكل محور حديث فرنجية، علماً أنه يعرف بالتأكيد أن مثل هذا الهجوم من شأنه ان يقوي خصمه لا أن يضعفه.
غير أن الأهم في حديث فرنجية والذي يمكن البناء عليه لفهم بعض ما يدور على الساحة السياسية هو الحديث عن الانتخابات الرئاسية، والتي يبدو أن معركتها فتحت باكراً. رداً على سؤال عن الأمر، قال فرنجية إنه وباسيل مرشحان من فريق “8 آذار”، لكنه أكد بالمقابل: “لن نقبل برئيس جمهورية من خارج فريقنا السياسي ويرتكز على خلافاتنا”، وهذا ما يمكن أن يفهم على أن أي مرشح هو رهن كلمة سر قد تصبّ في لحظة ما لمصلحة باسيل، إذا ما سلّم الحلفاء بذلك، وهو لن يكون معارضاً على اي حال.
ولأن الأمر محكوم بلحظة ما، صار كل تصرّف لأي مرشح محتمل محكوماً بسقف طموحه الرئاسي. منهم من يجاهر بالأمر من دون خوف أو خجل، ومنهم من يستعد لخوض معركته في الخفاء، وتراه يصفق خلف الستار كلما اختلف قطبان مارونيان خلافاً أضعف حضورهما معاً.
لكن السؤال على أي أساس يمكن فهم الحديث عن الملف الرئاسي والعهد الحالي لم يزل أمامه عامان من ولايته؟ فهل هو تماهٍ مع رغبة الناس في التغيير؟ الغريب في الموضوع أن الحديث عن الانتخابات الرئاسية ينمو في ظل تدهور وضع البلد مالياً واقتصادياً، وفشل الحكومة في تقديم المعالجات الناجحة والمطلوبة محلياً ودولياً. فالاوضاع الدولية والعربية ضبابية والرؤية للمستقبل او التنبؤ بمساره معدومة. فعن أي انتخابات يتحدثون؟ اللهم إلا إذا كان خلف الجدران ما لم تبلغه آذان الناس وتعلم به.
ما هو معلوم أن معطيات الملف الرئاسي اختلفت محلياً عن معطيات الماضي، وحسابات المرشحين في الوقت الراهن تختلف عن حسابات القوى الأخرى التي يفترض ان لها دوراً في تسمية المرشح الرئاسي، لذا فإن أي مرشح لا يملك من العلاقات والتحالفات ما يكفي، قد لا يكون مخوّلاً النوم على حرير الرئاسة. كما ان مقاربة الموضوع تبدو مختلفة بين الحلفاء، فاذا كان فرنجية، كما باسيل، يستعدان لخوض المعركة باكراً، فإن حليفهما الأبرز اي “حزب الله”، قد لا يعيد كرة منح الوعد باكراً لأي مرشح حليف، فضلاً عن ذلك فهو لا بد سينتظر الى ان تنجلي صورة ما يتوافق عليه المسيحيون اولاً والبناء عليه، هذا فضلاً عن مجريات الاوضاع الاقليمية والدولية.
وقد كان واضحاً أمين عام “حزب الله” في حديثه الاخير أن اولوياته هي للموضوع الاقتصادي، وحساباته في مقاربة الشؤون الاخرى مختلفة عن مقاربة الطامحين للرئاسة. ويخطئ أي من الحلفاء اذا ما أراد وعداً مسبقاً من “حزب الله” بالرئاسة، لان ما اعطي لعون قد لا يتكرّر لغيره، لا سيما وان عهد عون الحليف لم يزل في منتصفه، و”حزب الله” يبحث عن سبل انجاح هذا العهد وليس الانخراط في الحديث عن المرشح الذي سيلي، والوقت لا يزال مبكراً لذلك فلا داعي لحرق الاوراق والمراحل.
الفكرة ان أي مرشح أعلن عن نفسه او لم يعلن، لم يحصل على وعد مسبق حتى من حلفائه. فضلاً عن ان خريطة التحالفات متشابكة وتكاد تكون خريطة الاعداء لأي مرشح أوضح من خريطة حلفائه، هذا عدا عن ان الغوص في الحسابات والنسب لا يقع في صالح أي منهما لا سيما في الشارع المسيحي، فتبني ترشيح فرنجية وإن حصل من قبل “حزب الله” لن يربح “الحزب” الشارع المسيحي، خصوصاً وانه لا يحظى بتأييد اي طرف سياسي أساسي من المسيحيين، وليس ترشيح باسيل أفضل حالاً إن حصل اليوم لأنه لن يكون مريحاً للشارع المسيحي ولن ينعكس ربحاً للحليف وإن ترشح.
وغير بعيد عن الانتخابات الرئاسية، تبرز الانتخابات النيابية التي يتساءل المتابعون إن كان ممكناً الحديث عنها في ظلّ الوضع السيئ الذي تعيشه البلاد؟ وإذا جرى الاتفاق على إجرائها، فبناء على اي قانون، بما أن البحث لم يبدأ بعد بخصوص قانون جديد للانتخابات؟ وهل تجد القوى السياسية ان من مصلحتها الالتزام بالمواعيد الدستورية بحيث يتم انتخاب برلمان جديد ينتخب رئيس الجمهورية المقبل؟ أم ستجد أن التمديد للمجلس الحالي يتناسب ومصالحها، فتطالب بالتمديد وهذا ما قد يكون مستحيلاً، حتى ولو تزامن موعد أكثر من استحقاق محلي خلال فترة زمنية متقاربة، من حيث موعد الانتخابات النيابية، ثم البلدية، ومن بعدها الرئاسية. عامان من عمر العهد ربما تكون فترة مناسبة لتحسين المرشحين لأوضاعهم بحيث يعيدون تموضعهم شعبياً وحزبياً وسياسياً… أما عنصر المفاجأة فيمكن البناء عليه في ساعته.