علي الأمين -نداء الوطن
قدر لبنان ان يعيش “رهين المحبسين” الإيراني والسوري، معطوفاً على رهينة صراعات إقليمية ودولية. غير ان “الإبتلاء التاريخي” بسوريا، لم يمكّن لبنان يوماً من أن يتنعم بطعم الحرية والسيادة والإستقلال منذ أيام الوصاية المباشرة حتى اليوم. وخلاصات ونتائج المسار السوري في لبنان تنضح أكثر من الوقائع المرة بهذا الواقع، فعندما تكون سوريا قوية “تستقوي” وتفرط في استخدام القوة المباشرة وغير المباشرة على لبنان، وعندما تكون ضعيفة “تستضعف” لبنان أكثر فأكثر وتجره معها إلى ويلاتها، وبالتالي تأخذ دول القرار لبنان بجريرتها.
ولعل خير دليل حديث، إقرار “قانون قيصر” الأميركي هذا الشهر، المتعلق بتنفيذ عقوبات ضد النظام السوري والمتعاونين معه مالياً واقتصادياً، من أفراد وشركات ومنظمات حكومية وغير حكومية، فان لبنان سيخضع لمزيد من الضغوط المالية والاقتصادية، إما بسبب ما يمكن ان يصدر من عقوبات على جهات لبنانية بسبب تعاونها مع النظام السوري، او بسبب المزيد من استثمار النظام السوري للنافذة اللبنانية من اجل الحدّ من آثار العقوبات الأميركية عليه.
في كلتا الحالتين سيكون لبنان أمام مرحلة جديدة من التحديات النقدية والاقتصادية، وسط اصرار “حزب الله” على عدم السماح بما يصفه المقربون منه “عملية خنق “حزب الله” وسوريا”، وعلى الأرجح سيكون لبنان امام مشهد جديد من الانهيار المالي، بسبب عدم الاستجابة العملية تجاه “قانون قيصر”، ويرجح المراقبون ان يهبط مجدداً سعر صرف الليرة، بسبب الاختلالات الاقتصادية المعروفة من جهة، وازدياد الطلب على الدولار لأسباب سورية ولبنانية. وعلى الرغم من الزيارتين اللتين قام بهما الى الحدود الشرقية مع سوريا والى مقر قوات “اليونيفيل” على الحدود الجنوبية، فان رئيس الحكومة حسان دياب يعلن على طريقته اقصى حدود الاستعداد اللبناني للالتزام بموجبات القرار الدولي 1701 من جهة، والعمل على ضبط المعابر غير القانونية على الحدود مع سوريا، في رسالة ضمنية الى ان الحكومة اللبنانية لا تستطيع بمفردها ان تقوم بالمهمات الموكلة اليها ضمن القانون الدولي.
وعلى رغم ان اللبنانيين يعلمون ان حكومة حسان دياب، تعكس في مكوناتها ميزان القوة الذي يتحكم به “حزب الله”، فان امين عام الحزب يستمر في اسلوب التنصل من مسؤوليته عن تشكيل هذه الحكومة، بالقول ان هذه الحكومة ليست حكومة الحزب، وفي مقابلته الأخيرة مع اذاعة النور التابعة للحزب قبل ايام، قال: “لو كانت هذه الحكومة (اي حكومة حسان دياب) حكومة “حزب الله” لكنا اتخذنا الخيار المشرقي او الشرقي”. وهذا الموقف ان دلّ على شيء فهو يدل على أنّ “حزب الله” يريد ان يحكم من دون ان يتحمل المسؤولية، فيقدم حكومة حسان دياب عندما يتطلب الأمر طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي او غيره من دول، ويتقدم هو حين يتصل الأمر في تحقيق سيادة الدولة على اراضيها، وحصر السلاح بيد القوى الأمنية والعسكرية على كل الأراضي اللبنانية والمعابر الحدودية، فيرفض ويمتنع ويحرص على حماية الفوضى الحدودية، ويشترط ضبطها من خلال التنسيق مع النظام السوري كما اكد قبل اسبوعين نصرالله نفسه.
على هذا المنوال ينسج لبنان قماش المرحلة المقبلة، اي المزيد من التسليف الاقليمي باتجاه المحور الايراني، في مقابل المزيد من الاستنزاف الداخلي سياسياً ومالياً واقتصادياً، لا تتقدم المصالح الوطنية والدولتية اللبنانية في حسابات السلطة اللبنانية، على حسابات حزبية وفئوية ضيقة، ولا الحسابات الاقليمية والخارجية التي تجعل من لبنان ورقة في الحسابات الخارجية.الشعب اللبناني دفع كلفة تعزيز المصالح الحزبية والفئوية في الداخل، مزيداً من الفساد وتراجع الدولة، وأجبر على دفع فواتير خارجية لحساب مصالح خارجية سواء كانت لحساب النظام السوري او لتعزيز النفوذ الايراني.
ومع بدء تطبيق “قانون قيصر” يبدو ان لبنان سيظل رهينة الصراع الاميركي الايراني، والحلول التي كان يمكن للدولة اللبنانية ان تحصدها لصالح حماية الكيان، وللجم الانهيار المالي والاقتصادي، وللحدّ من العقوبات، تبدو غير متاحة، طالما أن اوراق التفاوض في الخزنة الايرانية، وما يمكن ان يناله لبنان دولياً، سيكون من فتات المائدة الأميركية – الإيرانية، اذا ما فرشت هذه المائدة، فالأولويات الايرانية في اي عملية تفاوض، تتقدم بالضرورة على الأولويات اللبنانية، والأوراق التي قد تتخلى عنها ايران ستكون على حدود اسرائيل وفي لبنان وسوريا، وهذا ثمن اضافي سيدفعه لبنان، بلا مقابل، طالما ان “حزب الله” لا يزال يعتبر أن اولوية حماية المحور الايراني تتقدم على المصالح الوطنية اللبنانية، من خلال ابقاء لبنان ساحة مفتوحة. ربما كان ذلك ممكناً في زمن مضى، الا انه اليوم بات يهدد وجود الدولة بل الكيان.